خامنئي: استعدوا لخلافتي!

من الآن وحتى نهاية شباط المقبل، كل ما يجري في إيران ينضج على «نار» الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء. بعد ثلاثين استحقاقاً انتخابياً وأكثر، يبدو أنّ استحقاق هذه الدورة «حاسم»، وهو يأتي في «مرحلة حسّاسة ودقيقة». حتى المرشد آية الله علي خامنئي دعا إلى كثافة التصويت الشعبي، لأنّ «مجلس الخبراء» المُنتخَب، سينتخب هذه المرّة المرشد الخليفة، سواء قاوم خامنئي السرطان سنة أو أكثر، أو لم يصمد أكثر من أشهر عدة، كما تشير معظم التقارير الدولية المستندة إلى مواقف أطباء اختصاصيين، لأنّ سرطان البروستات لديه أصبح من الدرجة الرابعة وقد انتشر في مواقع أخرى. وأنّ ظهوره العلني وإلقاءه خطبة طويلة يمكن مقارنتهما مباشرة بحالة الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران الذي تبيّن بعد وفاته أنّه لم يكن يعمل أكثر من ساعتين في اليوم وقد استُثمِرَت إعلامياً حتى لا يعرف الفرنسيون حقيقة وضعه كما الإيرانيون اليوم.

من ردود الفعل الإيرانية الناضجة على نار الانتخابات، الانقسام العميق بين «المعسكرَين» المحافظ المتشدّد والمعتدل والوسطيين أمام حريق السفارة. لا شك أنّ سياسة «الحزم والعزم» السعودية التي أكّدت حصول تغيير عميق في مواجهة سياسة الانتشار والتدخّل السلبي الإيرانية قد رفعت منسوب اختلاف ردود الفعل السياسية رغم كل «اللعب» على «شهب النار» المتصاعدة. اقتحام وإحراق السفارة السعودية في طهران أعادا الذاكرة الشعبية الإيرانية إلى بدايات الثورة يوم اقتحمت مجموعة «السائرين على خطى الإمام الخميني» السفارة الأميركية وأخذت الديبلوماسيين الأميركيين رهائن طوال 444 يوماً. لكن ما كان جائزاً في أيام الثورة الأولى وخروج إيران من تحت «مظلة» الشرعية الدولية، لم يعد جائزاً الآن وقبل تنفيذ الاتفاق النووي بأسابيع قليلة.

الرئيس حسن روحاني، ومعه كل المعتدلين، وبالشراكة مع الشيخ هاشمي رفسنجاني، مدرك وملتزم جداً بارتدادات الاتفاق النووي، لذلك وكما كشف وزير الصحة الإيراني أمام مرجع لبناني كبير، فإنّ «صوت روحاني ارتفع بغضب أثناء انعقاد مجلس الوزراء تعليقاً على اقتحام السفارة السعودية وإحراقها، وطالب باعتقال المنفّذين والمحرّضين استعداداً لمحاكمتهم، ولم يترك الجلسة قبل إبلاغه بأنّه أُلقِيَ القبض على 66 من الذين نفّذوا العملية تمهيداً لمحاكمة كل مَن ثبت عليه أي دور في العملية».

اقرأ أيضًا: السعودية وايران واحتمالات الحرب: من الأقوى عسكريا؟

ما أغضب روحاني، أنّ العملية هي عملية تخريب بقيادة المتشدّدين المحافظين، بعد أن صعدت أسهمه شعبياً بسرعة كبيرة مع توقيع الاتفاق النووي وهي تصعد أكثر فأكثر مع كل يوم تقترب فيه ساعة رفع المقاطعة عن إيران. ويبدو واضحاً أنّ روحاني يستعجل هذه «الساعة»، لذلك تمّ إنجاز تنفيذ الاتفاق النووي إيرانياً وكانت الخطوة الأخيرة إخراج قلب مفاعل «اراك» للمياه الثقيلة بعد بيع كامل الاورانيوم المخصّب بنسبة 20 في المئة إلى روسيا.

الرهان «الروحاني» على كسب الانتخابات التشريعية قائم وبقوّة، فوزه بأكثر من النصف ولو بنسبة واحد في المئة فكيف إذا كان أكثر بعدة نقاط، يطلق «يديه« في تنفيذ سياسته الإصلاحية على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

عملياً افتتح روحاني من منطقة بوشهر، الحملة الانتخابية فوضع لها شعاراً شعبياً أنّ العام الإيراني الذي يبدأ بعد الجولة الثانية من الانتخابات في 20 آذار المقبل سيكون «عام الازدهار الاقتصادي» رغم أنّ سعر برميل النفط حالياً هو 30 دولاراً، في حين أنّه في حكومة نجاد كان سعر البرميل 147 دولاراً. يكفي البرهان على امكانية نجاح خطته أنّه رغم المقاطعة نجح خلال عامين من رئاسته في تخفيض التضخم من 40 في المئة إلى 13 في المئة. ويبدو جلياً أنّ روحاني وأنصاره يعتمدون على حصول «تسونامي» من الشباب الإيراني يوم الانتخابات لأنّهم الهدف الأوّل من النتائج الإيجابية للفوز. المعروف أنّ 70 في المئة من أصل 70 مليون إيراني هم دون سن الـ35.

«معسكر» المتشدّدين ليس كما هو واضح حتى الآن من خطة لمواجهة «المعسكر« الإصلاحي والمعتدل. كل ما يقوم به أقطابه وعلى رأسهم المرشد، تكثيف خطابهم بالتخويف من «تغلغل» الولايات المتحدة الأميركية والعمل على تقويض الثورة. علماً أنّه في عمق هذه الانتخابات الانتقال من مرحلة الثورة إلى ديمومة الدولة.

التحوّل العميق للإدارة السياسية في إيران سيجعل فوز التيار المعتدل الذي يقوده الثلاثي: رفسنجاني روحاني الخميني، ولو استمر خامنئي مرشداً لسنوات أخرى، حاضراً وفاعلاً، لأنّه رغم كون خامنئي هو الولي الفقيه، فإنّه لا يمكنه تجاهل موازين القوى وتشكلاتها الداخلية، وبالتالي ارتداداتها على القرارات السياسية والاقتصادية. وإذا ما أضيف إلى ذلك التحوّلات السياسية الدولية والاقليمية في المنطقة، فإنّ إيران مقبلة على تغيير عميق باتجاه ان يكون حسن روحاني وبدعم كامل من هاشمي رفسنجاني «دينغ سياو بنغ» زعيم الصين الشعبية الحديثة. ولا شك أنّ روحاني وهو يستقبل خلال الأيام المقبلة الرئيس الصيني، سيزداد معرفة في كيفية التحوّل العميق الذي يجنّب إيران التفتت على مثال الاتحاد السوفياتي، وسيكون المرشد خامنئي «الشاهد الكبير» على هذا «الدرس» الصيني من الرئيس الصيني مباشرة.

(المستقبل)

السابق
مضايا وكلّ هذا الحقد!
التالي
الجيش يستهدف مواقع المسلحين في جرود راس بعلبك