لماذا طالب الشيخ محمد علي الحاج بتقسيم السعودية؟

المتداول عن الشيعة العرب، رفضهم الإنفصال أو الاستقلال عن الدول العربية أو الدعوة الى قيام كيانات وكانتونات مذهبيّة خاصة بهم. فما هو سر دعوة الشيخ محمد علي الحاج الى تقسيم السعودية؟

اطلق الشيخ محمد علي الحاج، مدير حوزة السجاد العلمية، إبن بلدة شحور الجنوبية اللبنانية تصريحا مفاجئا ناريا عقب إعدام السعودية للشيخ الشيعي السعودي نمر النمر جاء فيه: «ان الوقت حان للمطالبة بانفصال المنطقة الشرقية عن نظام المملكة العربية السعودية، فهذا المطلب حق طبيعي لهذا الشعب الأعزل، الذي يرزح تحت حكم نظام طاغ، هذا إذا لم نقل أنه واجبه، لأن واجب الشعب السعي للتقدم والتطور، ونظام المملكة تنحصر اهتماماته في شؤون وشجون زمرة من الأسرة المالكة».
هذا التصريح فاجأ فيه الشيخ الحاج المقربين والأبعدين، وتخطى فيه المفهوم المعروف والمتداول عن الشيعة العرب، الذين لا يدعون عادة الى الإستقلال عن الدول العربية أو الدعوة الى قيام كيانات وكانتونات مذهبيّة خاصة بهم. ولا تزال مقولة علماء جبل عامل خلال الثورة العربية الكبرى مضرب مثل من خلال دعمهم للملك فيصل في حربه ضد الفرنسيين وإصرارهم على الوحدة. كما تابع هذا النهج العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي اشتهر بدعوة المواطنين الشيعة داخل البلاد العربية الى تأييد والتزام النظام العام لدولهم. وكما أكد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير رفضه هذه الدعوة مُعتبرا إنها دعوة أميركية.

علمًا أن طرح تقسيم السعودية إلى عدة دويلات هو أمر مطروح أميركياً منذ عقدين ونيف، وقد نقلت بعض المصادرالإعلامية معلومات عن خرائط للمملكة فى مصادر أميركية، في مجلة الجيش الأميركي في العام 2007، وهي مقسّمة إلى خمس دول.

اقرأ أيضًا: لماذا يذكّر حزب الله اللبنانيين بمشروع «الدولة الاسلامية»؟
هذا كله أكملته استفتاءات كل من موقعيّ “الحرة” و”العالم” معا للقراء حول طرحهم لفكرة “تدويل مكة” بعد أحداث منى الموسم الفائت.
وتُعد المنطقة الشرقية في السعودية  ذات الاكثرية الشيعية، أكبر خزان طبيعي للنفط في العالم، حيث يوجد فيها نحو 22 في المئة من احتياطي البترول العالمي الثابت، وتنتج 98 في المئة من النفط السعودي. ورغم كل هذا الغنى فإن معظم أبناء المنطقة الشرقية، يعانون من الفقر ومن علاقة مضطربة مع نظامهم.
ويلفت الباحث السياسي، وسام متى، الى انه “رغم التمييز الفاضح بحقهم من قبل نظام الحكم السعودي، فإن أبناء المنطقة الشرقية لم يجنحوا نحو ما يمكن ان يوصف بأنه دعوة الى الإنفصال”.
في ظل كل هذا، ثمة حاجة إلى التحرّك عبر خطوات إصلاحية لحلّ المسألة الشيعية في السعودية، لكن هل على طريقة الشيخ محمد علي الحاج؟ وما هي خلفيّات تصريح سماحته هذه؟
في لقاء معه للرد والتوضيح، قال “دعوتي سبقها كلام قاله مسؤولون بريطانيون خلال زيارة الى المنطقة منذ قرن تقريباً.
ولكن بناءا على ماذا طرحت ذلك؟ “المنطق يقول أننا لسنا ضد الدولة السياسية للشيعة،  فبهذا الظرف لا نجد إمكانيّة لقيام نظام حديث وعصري. فما المانع إذن من أن نمنح الأقليات الحكم الذاتي؟.

اقرأ أيضًا: السعودية وايران: تراكم توترات.. وقطع علاقات

ويتابع فيقول”هناك تهويلات على الموضوع، لكن لنسأل سؤالا هل هذا التقسيم الموجود حالياً له قيمة دينيّة في الإسلام، أي هل يعترف الإسلام بحدود الأوطان التي أقرّها أصلا إتفاق سايكس- بيكو؟
“من ناحية ثانية، نحن نرى ان أدبيات الإسلام تقول إن الحكم وأسلوبه يعود لرأي الناس وقرارهم، والشعب هو الذي يحدد النظام السياسي الذي يريد.
“وحتى بالمفهوم السياسي الحديث للحريات العامة، فعندما نتكلم عن حرية الشعب في تحديد مصيره فلا يقتصرالأمرعلى حرية الشعب في الانتخاب وتداول السلطة وتحديد شكلها، بل يتعدى ذلك للحق بتحديد المساحة الجغرافية لهذه السلطة، وفي موضوعنا هنا عندنا خمسة ملايين نسمة في القطيف والمنطقة الشرقية حقهم الطبيعي الاستقلال بدولة ونظام؟
“فالتقسيمُ، بحسب الشيخ الحاج  له أحد خلفيتين: أولهما  تشتيت الأمة وشرذمتها واضعافها، وثانيهما قد يكون في مورد يمنع العيش بظل نظام ظالم أويحدّ من العنف. فالقسم الأول مذموم بخلاف القسم الثاني الذي يسمح للشعب بالعيش بعزة وكرامة، وفي هذا الصدد نسأل البعض لماذا وافقتم على تقسيم السودان سابقاً والآن  ضد التقسيم في السعودية؟

ويوضح الشيخ الحاج: “قد فهم كلامي من التقسيم خطأ، بعضهم اعتبره موّجه ضد السنّة، و آخرون بالعكس. أقول هي قضية تخص الشيعة العرب في كل من البحرين والسعودية وسوريا والأردن والكويت وقطر ومصرالذين قد يستغلهم البعض ويلعب بهم. والسؤال اذا أعطينا الشيعة العرب دولة في الخليج ألاّ يشكل ذلك متنفّسا لهم من الكبت الذي يعيشونه، وتاليا لا يفسح المجال للبعض لإستغلال الشيعة في مشاريع توسعية!؟. هذه هي إذن خلاصة دعوة الشيخ محمد علي الحاج للتقسيم، ففي العام 2003 سقط النظام العراقي السابق، وحكم الشيعة، لكنه بقيّ نظاما معاقا ولم يتحوّل الى دولة عصرية”.

وبرأي الشيخ الحاج: “تتحمل المسؤولية كاملة أميركا وإيران اللتان منعتا قيام الدولة الحديثة في العراق، حيث كان مأمول أن يصبح دولة عربية حديثة تكون ملجأ وقبلة للشيعة العرب بدل إيران. لذا، اذا أقمنا دولة شيعية في المنطقة الشرقية فإننا نحد من العنف من ناحية، ومن ناحية ثانية نمنع الاستغلال الخارجي للشيعة الذي ينتج  تشددا شيعيا لا محالة”.

ويوّجه الشيخ الحاج نصيحة للسعودية فيقول “هناك التجربة العراقية التي طالب فيها الأكراد بدولة مستقلة، لكن الشيعة رفضوا الطرح، ورغم ذلك نرى ان التقسيم واقع عمليّا، مما أظهر خللا أحيّا التشدد, لذا ندعوكم أيها السعوديين الى الإتعاظ من تجربة العراق، ونحن نخاف من حرب دموية سنيّة-شيعية، هذه سوريا ستُقسّم بعد هذه الحرب الطاحنة، ولو تم القبول بالتقسيم في سوريا ألم يكن قد حدّ من العنف”.

وما هو دواؤنا كلبنانيين في هذه الحالة؟ يؤكد الشيخ الحاج إن “لبنان أعجز من أن يحدد مصيره، وهو يتأثر بالصورة العامة التي ستتمخض عن الأحداث الجارية في الوطن العربي عموماً، كما يقف عند مشاركة  قوى 8 و14 آذار في المؤتمر الفيدرالي الذي عقده كل من ألفرد رياشي وكميل شمعون ما يعني البدء بالتفكير الجديّ بصيغة أخرى للنظام اللبناني”.

ويؤكد الحاج انه “مع نظام مدنيّ بشكل تام، وطالما أننا لم نصل الى دولة مدنيّة علينا القبول بصيغ أخرى للحكم كمرحلة أولى حتى يصبح لدينا النضوج الكامل لتقبّل النظم الحديثة في الحكم حينها نطبقها في بلادنا”.

وختم “أنا من الناحية المبدأيّة مع فصل الدين عن الدولة، فالنظام المدني يحمي الدين ويخفف عنه الأعباء. والدولة المدنيّة المبتغاة لن تصل إليها السعودية في المدى المنظور؛ لذا يبقى التقسيم هو الحلّ العمليّ الراهن”.

السابق
عن «السرية المصرفية»…ونوابنا الأفاضل!
التالي
السلطات التركية تشتبه في وقوع «عمل إرهابي» جرّاء انفجار اسطنبول