هذه البلاد لنا

قد نختلف كلّنا على الاسلوب والتحليل والاستقراء، لكن تبقى حقيقة واحدة من غير المقبول تحويرها: الوضع المهترئ في البلد مسؤولية الدولة ومؤسساتها ومسؤولية السلطة السياسية وأحزابها وليست مسؤولية الحراك

لبنان تحكمه مافيات. مافيات متصارعة لكنها متفقة على عدم كسر الامور فيما بينها. عصابات حزبية وعائلية وشبكات مصالح صادرت السياسة والمجتمع. وصلت الى حد مصادرة حتى حقوق ومصالح ناخبيها ومناصريها قبل خصومها.

لا رئيس جمهورية، مجلس نيابي مغلق، مجلس وزراء معطّل، نفايات تأكل البلد.
القرار الحقيقي في البلد ليس أصلا في المؤسسات الدستورية.
المشكلة لم تكن ولم تعد في الحكومة أو مع الحكومة فقط.
المشكلة لم تكن ولم تعد مع البرلمان أو في البرلمان فقط.
المشكلة الحقيقية مع زعماء المافيات الثمانية ( أو السبعة أو التسعة … لا يهم) التي تصادر الحياة السياسة وتختزل المجتمع.

بهذا المعنى قد يكون “كلن يعني كلن” شعارا مأزوماً، لكنه يبقى التعبير الاسطع عن المسؤولية المشتركة للقوى السياسية عن مآل الوضع القائم. كما أنه يبقى الشعار الاكثر مناعة بوجه محاولات التخوين والترهيب والتوظيف.

الى حين، راهنية هذا الشعار لم تستنزف بعد.

نعم، هو مجلس إدارة لبنان: دولة متهالكة عاجزة عن تأمين الحد الأدنى لمواطنيها وسلطة يزداد عنفها الاجتماعي باطراد.
لأجل كل ذلك كانت لحظة الحراك
غضب الناس في مواجهة سلطة فاشلة هو حجة عليها لا لها.
رفض الناس ان تنصاع لأوامر الاجهزة الامنية التابعة لدولة لم يبق من سلطانها سوى القمع، هو حجة عليها لا لها.

اصرار المتظاهرين على الوصول الى مجلس نواب مقفل منذ أشهر هو حجة على السلطة لا لها.
تراكم أكوام الزبالة في الشوارع او الترحيل – الفضيحة حجة على السلطة لا لها.
هذه السلطة مصرة على المضي في الفشل وتريد من الناس أن تحرص على احترام هيبة مزعومة لم يفرّط بها الا من هم على رأسها ولن تستعاد إلا حين ينجحون في تحقيق واجباتهم الإجتماعية والإقتصادية.
لذلك، كان غضب الشارع كان أكثر من مبرر. أما السعي لقلب الحقائق ورمي المسؤولية على المتظاهرين فهو موقف غير منصف وإبراء لذمة سلطة فشل.

على الرغم من ذلك، هل هذا يعني أن الحراك لم يخطئ ؟ بالتأكيد أخطأ.
لقد أخطأ الحراك الشعبي في مواقع كثيرة وقد يستمر في ارتكاب الاخطاء والهفوات.
لقد أخطأنا حين استسهل البعض الذهاب الى التحركات المباشرة دون ان ينتج خطاباُ سياسيا متماسكا يعطي الاولوية المطلقة لملف النفايات من أجل تحقيق انتصار فيه قبل الإنتقال الى بقية القضايا.
نعم، لم يكن خيار الدخول الى وزارة البيئة خياراً موفقاُ تحديدا بعد نجاح مظاهرة 29 آب.
نعم، لقد أخطأ البعض في الرد على منطق الهيئات الاقتصادية. فبدل ان يكون الرد على ” منطق ابو رخوصة” بتجذير الحراك الاجتماعي وحمايته، جرى الرد عليه بالمنطق الذي أرادته الهيئات الاقتصادية.
وتطول اللائحة…

في كل الاحوال، قد نختلف كلّنا على الاسلوب والتحليل والاستقراء، لكن تبقى حقيقة واحدة من غير المقبول تحويرها: الوضع المهترئ في البلد مسؤولية الدولة ومؤسساتها ومسؤولية السلطة السياسية وأحزابها وليست مسؤولية الحراك. الحراك الشعبي هو حركة احتجاجية وعلى السلطة إيجاد حل للأزمات. فلتقم الدولة بمهامها، ويبقى للحراك حق المساءلة ودور المحاسبة.

يبقى ان الحراك نجح مع الناس وبالناس في تكريس إمكانية تشكيل حالة ضاغطة في الشارع وحالة قادرة على احداث اختراق نسبي بوجه السلطة بكل مكوناتها وحالة واثقة بالفعل السياسي والفكرة والأمل والحلم… ولكن وللأسف، لم تكتمل دورة الحراك ولم تكن النهاية كما كان يجب ان تكون. بأشكال متعددة وبوتيرة مختلفة، قد يستمر الحراك لأسابيع اوشهور. او ربما قد ينتهي.

اليوم بعضنا يتساءل ان كنا خسرنا هذه الجولة من المواجهة مع هذه السلطة ؟ نعم، ربما نكون قد خسرناها.
ولكن، هل نملك ترف عدم المحاولة مجددا ؟ بالتأكيد لا

فهذه البلاد لنا ولا بد من أن نستعيدها من أيدي من أخرج المواطن من فعل السياسة.

السابق
كاميرات التجسس المخفية… اصبحت من الماضي!
التالي
«الحاسة السادسة» حقيقة وهكذا نتعامل معها…‏