فؤاد بطرس ذاك المحترم الكبير

صباح أمس الأحد، استضافني الأستاذ شربل مارون عبر أثير “صوت لبنان” وسألني في السياق: من هي الشخصية السياسية التي تأثرت بها، فذكرت اثنين على الفور: الراحل غسان تويني والوزير فؤاد بطرس، وكان الأخير لا يزال بيننا، لم يرحل. ساعاتٌ قليلة وجاء الخبر الحزين: غادرنا كبيرٌ آخر ممن طبعوا الزمن اللبناني الصعب، وفي عمقه حسرة لم يخفها وخوف لم يرهبه وقلق لم يغادره. هو الذي كلّما سأله سائلٌ عن تشاؤمه، أجاب: لم أكن متشائما كفاية. وجاءت الأيام لتعطيه حقا في ما رأى.

ربّما كان ما خَبِرَه في الدولة سببا لحسرته، بل لغضبه حيال ما يجري. ربما كان يقرأ في الأحداث ما لم يشأ أن يصدّقه. ربما عَلِم الكثير من الخفايا ولعبة الزوايا وكانت لبنانيته تنتفض كلّما أنهكت ضربات الخارج الدولة وكلّما أضعفت أمراض الداخل مناعتها. ربما كان حزينا وحزينا جدا لأنه واحدٌ ممّن رافقوا فخامة الأمير في عملية إصلاح الدولة التي أجهضها وما زال يجهضها أكلة الجبنة وأكلة الأخضر واليابس. معه، تعلّمت في “الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب” كيف يكون الكبير (الذي هو) كبيراً. قُدّر لي ولزملائي في “هيئة بطرس” أن نتعرّف إلى طينةٍ من السياسيين الذاهبة إلى انقراض. السياسي العالم، المرهف، الرصين، المسموع الرأي والكلمة، العابر للاصطفافات، الكبير قلبا وقالبا…
حسبُ فؤاد بطرس أنه بقي على صخرته متربعا. لم تخدش الأيام صفاءه وبقي هو هو، ذاك المحترم الكبير، وأمثاله لا يرحلون، بل يكتبون صفحات مشرقة في كتاب الشقاء اللبناني المزمن.

(النهار)

السابق
ملامح سنة أصعب
التالي
ريفي ردا على نصرالله: حزب الله قتل ضباط الجيش واغتال الحريري