المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى

بعد تجربة الانتخابات، أدركت في شكل عميق ونهائيّ، أن موقعي ليس هنا، أي ليس في الاحتراف السياسيّ، بل في التشكيل السياسيّ. وهو النشاط العام الموصول بمشروع رؤية أوسع وأعمق في السؤال المعرفي أولاً. شرط أن لا يكون ذلك سبباً أو مبرّراً لقطيعة مع الناس ومع الأهل. وأن يترافق مع الحذر الشديد من الشعبَويّة والجمهرة التي تقود إلى خيانة الاقتناعات والمبادئ والأهل والوطن.

اقرأ أيضاً: هاني فحص الفقيه العضوي

وذهبت إلى اتفاق الطائف لأقرأه دستوراً وميثاقاً. فوجدت العيش المشترك بنداً أساسياً فيه. فقلتُ: هذا مكاني. فشرعت في تعلّم لغة الحوار وتعليمها، ونشر ثقافته.

المجلس الشيعي الاسلامي الاعلى
المجلس الشيعي الاسلامي الاعلى

أدركت أنها تُمكن إعادة بناء هذا البلد بكل أبنائه لكل أبنائه. فكان المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، الذي دفعني إلى كل المناطق وكل الحساسيات، وفتح لي باباً على حوار أوسع مع مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي، انتهاءً إلى تأسيس الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي واللقاء اللبناني للحوار، كدوائر متصلة متواصلة، مع عضويتي في الهيئة الشرعية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي كنت أعارضه. ولكني أحبّ مؤسسة الإمام الصدر وأحترمه، على أساس نزعة شبه يساريّة، كانت ترى في المجلس مؤسسة من مؤسسات الدولة التي يجب مقاطعتها وإسقاطها.

الشيخ محمد مهدي شمس الدين
بعد هذه السنوات الطوال، أصبحت من العقلاء الذين يرون الدولة ضرورة. ويرون أنّ مكان الطوائف فيها، لا في مقابلها. أي أنّ المجلس مشروع تأسيس للخصوصيّة الشيعية وللاندماج في الشأن العام الوطني، من دون أوهام طائفية أو أوهام دولة دينية.
كان الإمام محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس لاحقاً، قد تخلص نهائياً من طموحات البداية. وكانت تأسست على فكر الإخوان المسلمين، وعلى كتاب “معالم في الطريق” وسيد قطب والإسلام السياسي. إسلام الدولة الإسلامية، أي الدينية، وجاهر بالدولة الإسلامية، عندما انخرط في المجتمع اللبناني وثقافته التعددية، واكتشف أهمية التعدّد وحيويّته وفكرة الدولة المدنيّة ودورها.

اقرأ أيضاً: الشيعة والأوطان

ومن هذه المواقع والمنابر انفتحت على نمط من العلائق والعلاقات الثقافية التبادلية في أكثر المؤسسات الفكرية والحوارية العربية والدولية، انتهاءً إلى عضويّتي في المجلس الاستشاري الثقافي للتنمية العربية في الأمم المتحدة والاتحاد العربي للعلماء المسلمين لفترة وجيزة والمنابر الثقافية والإعلامية والإسلامية المختلفة. مع العودة إلى التواصل مع الشأن الفلسطيني بطريقة مختلفة نقدية ودودة، والاندماج في الهمّ العراقي، والتعاطي التفصيليّ مع الشأن الخليجيّ والعربيّ عموماً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
ما هي عقوبة «داعش» للذين يشاهدون الأفلام الإباحية؟
التالي
التصعيد السعودي_الإيراني: هل يبقى لبنان بمنأى؟!