الفرز المذهبي الحاد وتغيير ديموغرافيا الدول وحدودها

خريطة سايكس بيكو
ان ما يجري في منطقتنا هو دليل تتخطى مدلولاته ما يحكى عن مجرّد إنهيار حدود معاهدة سايكس بيكو، لا بل يؤشر إلى إنهيار النظام العالمي ككل، وتغيير جذري في منظومة العلاقات الدولية والإطاحة بكل ما تبقى من معاهدات، عبر انهيار مفهومية الدول "الوستفالية"، أي الدول الحديثة التي تتمتع بسيادة مطلقة على إقليمها.

يعيش العالم منذ خمس سنوات بمختلف منظوماته الحكمية، حالات تناقضية كبيرة، إن على صعيد التركيبات التحالفية، او على صعيد العلاقات في ما بين القوى المتصارعة في مختلف الميادين والساحات. لم تعد من قيم موجودة، لا مكان لحقوق الإنسان في الحالة الجنونية التي يعيشها العالم، لا بل إن الصراعات الطائفية والمذهبية المتنامية والتي ترعاها الدول بالتكافل والتضامن، تهدف إلى شيء وحيد متفق عليه، ألا وهو تغيير نمطية “الدولة” بمفهومها كدولة سيدة على كامل أراضيها.

 يختصر تعريف الدولة، بثلاثة أقانيم: الإقليم، الشعب، والسلطة السيدة على شعبها وإقليمها.

منذ سنوات هناك أمور كثيرة تتغيّر، تطيح بهذه الأقانيم الثلاثة لتعريف مفهوم الدولة وتجسيده وتكريسه، لا بل إن ما يجري، والدعم الذي تتلقاه الجماعات المتصارعة على أقاليم مختلفة في الشرق الأوسط، تشير إلى رغبة دولية بالإطاحة بإتفاقية وستفاليا لتشكيل الدول، أو لرسم صورة الدولة، إذ إن الدولة “الويستفالية” تعني الدولة السيدة، وما يشهده العالم العربي هو فقدان الدول المركزية لسيادتها على رقع واسعة من أراضيها، وهذا ما يساعد عليه التغذية المذهبية للحرب وإذكاء نارها.

 أحد أبرز الدلائل على ما يجري، هو السماح باستمرار الحرب السورية على هذا النحو، لا سيما مع وجود قرار كبير بعدم تعريض الستاتيكو المرسوم بالدم لأي اهتزاز، ومنع دعم جهة على أخرى للحسم أو لتغيير موازين القوى على الأرض، وهذا ما يبرر التدرج في الموقف الدولي من الرفض المطلق لبقاء الأسد في السلطة، إلى قبوله في مرحلة إنتقالية، واختلافات في التفسير حول بقائه في المرحلة التي تليها، أو إذا ما كان يحقّ له الترشّح مجدداً لرئاسة ركام سوريا، والتربع على عرش جثث أبنائها.

 كل ما يجري، هو دليل تتخطى مدلولاته ما يحكى عن مجرّد إنهيار حدود سايكس بيكو، لا بل يؤشر إلى إنهيار النظام العالمي ككل، وتغيير جذري في منظومة العلاقات الدولية والإطاحة بكل ما تبقى من تلك المعاهدات، عبر انهيار مفهومية الدول “الوستفالية”، أي الدول الحديثة التي تتمتع بسيادة مطلقة على إقليمها.

إقرأ أيضًا: التصعيد السعودي_الإيراني: هل يبقى لبنان بمنأى؟!

ولا يمكن فصل التعقيدات المتزايدة، في العلاقات الدولية إثر تحرّك رمال الشرق الأوسط، فغدت العلاقات التحالفية بين الدول معقدة أكثر، ومتشعبة، ومركبة، فمثلاً الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، دولتان منضويتان داخل حلف شمال الأطلسي، لكن أهدافها الإستراتيجية أصبحت متفارقة إلى حدّ الخصومة، خصوصاً في ضوء ما يجري في كل من سوريا والعراق، تدعم واشنطن الأكراد الذين يشكلون خطراً على الأمن القومي التركي وتهديداً لوحدة الأراضي التركية، وكذلك تحالف أميركا والسعودية فيه الكثير من الشوائب والتناقضات وافتراق التوجهات، لا سيما مع التقارب الأميركي الإيراني في ظل استعار المواجهة بين الرياض وطهران، كذلك الأمر بين إيران وروسيا حول الإختلافات والإفتراقات الإستراتيجية في المنطقة وإن كان ذلك سيظهر في مراحل لاحقة.

وفي هذا السياق تبرز رعاية أعلى سلطة في العالم أي الأمم المتحدة، لتنفيذ إتفاقات تلحظ التغيير الديموغرافي على الأساس المذهبي في سوريا، في شكل يوحي بتكريس مناطق نفوذ على الساحة السورية، وتكون كل منطقة فيها خاضعة لدولة معينة.

إقرأ أيضًا: «الزبدانيون» يخوضون معركة الأمعاء الخاوية و«الجوع» في مضايا

 وعلى هذا الطريق المؤدي إلى إنهيار النظم الموجودة والقائمة حالياً، يبرز التصعيد السعودي الإيراني على خلفية إعدام المملكة السعودية للشيخ نمر النمر مع ستة وأربعين آخرين، وصولاً إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين عدد من الدول العربية وإيران، ما يؤشر إلى تنامي التصعيد وهذا ما يدفع السعودية إلى خسارة الشيعة العرب، ووضعهم في صف المشروع الإيراني فيما تستمرّ هي في استقطاب السنّة وخصوصاً بعد تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وهذا الفرز العمودي المذهبي الحاد، هو الوحيد الكفيل بتغيير ديموغرافيا المنطقة وحدودها.

 

السابق
التصعيد السعودي_الإيراني: هل يبقى لبنان بمنأى؟!
التالي
بري يرفض التعليق على اعدام الشيخ النمر