اعدام الشيخ النمر في صراع النفوذ بين وليّي العهد

ما أصبح متداولاً بشكل وفير، هو الكلام عن اهتزاز داخل المملكة العربية السعودية، لا شكّ أن السنة الفائتة والمقبلة، ليستا كغيرهما من السنوات بالنسبة للسعودية، المتغيرات كثيرة هناك، تبدأ بالسياسة، وبالعلاقات بين أبناء العائلة المالكة، وصولاً إلى دخولها بحرب اليمن وتعرّض أمنها للاهتزاز من خلال تفجيرات استهدفت مساجدها، بالإضافة إلى الوضع المالي والإقتصادي المتراجع، خصوصاً بعد إنجاز موازنة العام والتي تشهد عجزاً يقارب المائة مليار دولار.

مراكز أبحاث ودراسات عديدة تشير إلى إمكانية حصول خلافات سياسية عائلية بشكل علني وأكبر في العام المقبل، بالإضافة إلى تصريحات خرج بها بعض السياسيين والصحافيين الغربيين، تفيد بأن ثمة صراعاً خفياً على السلطة داخل العائلة الحاكمة، ومن إرهاصات هذه الخلافات “التردّيات التي تمرّ بها السعودية، إذ لا سياسة واضحة لديها.”

منذ تسلّم الإدراة الجديدة لزمام الحكم في المملكة، وتحديداً “المحمدين”، أي ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، وولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، تغيرت أمور كثيرة في السعودية، إن على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية. من بين هذه المتغيرات بحسب ما تقول مصادر “جنوبية” فإن بن سلمان حاول عزل بن نايف وتقويض صلاحياته، وهذا ما ظهر في نشاطات عديدة، إن على صعيد الزيارات التي أجراها بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، فرنسا، ودول أخرى، وحجم الصفقات التي أبرمها الأمير الشاب، في ظل غياب تام لولي العهد الذي من المفترض أن يبرم هو تلك الإتفاقات بموجب العرف السعودي إذا ما غاب الملك.

ووفق ما تشير المصادر، فإن بن سلمان يريد تسلّم زمام السلطة بالكامل في السعودية، وهو يفعل كل ما يسهّل له ذلك، وتربط المصادر ما بين كلامها وما جرى تداوله مؤخراً في الصحافة البريطانية عن إمكانية تنفيذ بن سلمان لإنقلاب في السعودية، أو إتخاذ إجراءات تضمن له تسلّمه السلطة رسمياً، كما تشير إلى حجم الإمتعاض الواسع داخل العائلة الحاكمة ولا سيما في صفوف الجيل الثاني، أي الجيل الذي يسبق جيل بن سلمان.

لكن مدى عمق العلاقة بين بن نايف والولايات المتحدة الأميركية، معروف لدى الجميع، خصوصاً أن ولي العهد يحظى بثقة سعودية كاملة لنجاحه في مكافحة الإرهاب في السعودية، فيما لا يحظى بن سلمان بهذه الثقة، ولذلك فهو يحاول إثبات نفسه ووجوده للأميركيين، لمنحه أي غطاء بحال حصول أي تغيير في السلطة السعودية، بحسب ما تقول المصادر.

وتضيف المصادر:” إن حرب اليمن على الرغم من أهميتها الإستراتيجية، إلا أنها أيضاً توظف في الحسابات الداخلية لأركان الحكم السعودي، إذ أن بن سلمان يريد إثبات نفسه من خلال هذه الحرب، أولاً على الساحة العربية، وثانياً في كل الساحات، ليقول للجميع إن الأوراق كلها بيده، وأي مفاوضات يجب أن تحصل معه، بينما رؤية بن نايف مختلفة لوضع اليمن، إذ أنه يعتبر التدخل السعودي غير مجد وهو بمثابة إستنزاف للسعودية، بل كان يجب صرف أقل بكثير من الأموال التي صرفت في اليمن، لتمويل مجموعات عسكرية موالية للسعودية، يقع على عاتقها القتال لطرد جماعات إيران من هناك.”

وتكشف المصادر، أنه بعيد توقيع الإتفاق النووي الإيراني، فإن بن سلمان عرض على الأميركيين إستعداده لزيارة إيران، وهذا ما تضعه المصادر في سياق تقديم أوراق الإعتماد للأميركيين، خصوصاً أن إدارة الرئيس باراك أوباما كانت تريد تقارباً سعودياً إيرانياً، الأمر الذي يرفضه بن نايف، فهذا ما حاول اللعب عليه بن سلمان.

وليس بعيداً بكثير، إذ تشير المصادر إلى التناقض السعودي مؤخراً حول لبنان وما حكي عن غطاء سعودي لمبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، إذ أنه بعد إعلان المبادرة، خرجت وزارة الداخلية السعودية بقرار عقوبات جديدة على حزب الله ووضعته على لائحة الإرهاب، وهذا ما اعتبر ردّ من قبل بن نايف على بن سلمان لقطع الطريق على أي مسعى يقوم به لا سيما فيما يختص بأي تقارب مع إيران.

وأيضاً، تعود المصادر بالذاكرة إلى زيارة اللواء علي مملوك إلى السعودية ولقائه بن سلمان، وتقول:” هذه الزيارة حصلت بتنسيق روسي أميركي مع بن سلمان، فيما لم يكن أحد غيره في المملكة على علم بهذا الموضوع، وكان هدف اللقاء، محاولة من بن سلمان تقديم المزيد من أوراق إعتماده إلى الدول الكبرى ليحظى بتأييدها ودعمها.

وما يلفت اليوم بحسب المصادر، أن تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ نمر باقر النمر والذي أعلنت عنه وزارة الداخلية السعودية، هو بمثابة رسالة تصعيدية إلى طهران، وهذا ما أعقبه إعلان سعودي عن وقف الهدنة في اليمن والعودة إلى العمليات العسكرية، وهنا أيضاً تقرأ المصادر نوعاً من المزايدات الداخلية.

ولا تخفي المصادر، إمكانية حصول إرتدادات سلبية لإعدام النمر على السعودية، إذ أنه من المتوقع أن تقوم إيران بردّة فعل معينة، كذلك الأمر بالنسبة إلى ما يجري في اليمن الذي يتعرض إلى القصف السعودي، وفي هذا الإطار فإن السعودية تحاول تلقف أي أمر واستباق أي عمل، وخصوصاً على الصعيد اليمني، إذ أن ثمة قراراً ملكياً صدر مؤخراً، يوجب على كل الشركات بدفع تعويضات مالية إضافية لكل اليمنيين العاملين فيها، وهذا ما تعتبره المصادر سياسة الإحتواء، للجم أي ردة فعل غابة من قبلهم داخل المملكة رداً على ما يجري في اليمن.

كذلك لا تستبعد المصادر أن تستغل طهران إعدام النمر، والوضع الإقتصادي، ورفع الدعم عن المحروقات في السعودية لإعادة تحريك الشارع الموالي لها لا سيما في القطيف بغية إحداث إهتازازات تهدد الحكم السعودي.

السابق
البطريرك الراعي كسر صقيع «فلاديمير» اللبناني… بحماوة رئاسية
التالي
إعدام الشيخ النمر: حلقة طبيعية من حلقات الإسلام السياسي