عام الفراغ … عام حزب الله

تبادل جرحى كفريا الفوعة

لنتخيّل أن صفقة الزبداني – كفريا تمّت في ظل وجود رئيس للجمهورية في لبنان.

ولنتخيّل أن هذا الرئيس هو ميشال عون، الذي أعلن حزب الله أنه مرشحه الوحيد لمنصب الرئيس في لبنان، أو حتى سليمان فرنجية، أي ورقة التسوية مع الحزب، التي أخرجها سعد الحريري من جيبه على نحو ما زال غير واضح.

عملية التبادل مثّلت انتهاكاً واضحاً لا لبس فيه للسيادة اللبنانية. المفاوضات جرت بين قطر وتركيا وإيران، ولبنان كان مسرحاً لتنفيذ الصفقة. تركيا وقطر فاوضتا عن النصرة، وإيران عن حزب الله، فيما غابت كل من سوريا ولبنان عن المفاوضات، إلا بصفتهما إما النصرة وإما حزب الله.

وفي لبنان أيضاً ما زالت السيادة ممثلة بصورة رئيس الجمهورية، إذ هي من بين أشياء قليلة أبقاها الطائف له. وهو ما يعني أن صورة رئيس الجمهورية كانت ستهتز على وقع الصفقة بين حزب الله وجبهة النصرة، وسيجد الرئيس نفسه مخيراً بين قبول الإهانة التي تلقاها من حليفه، وبين خيار الانتفاضة وحفظ ما تبقى من ماء الوجه.

والمسألة هنا أنّ صفعة على وجه السيادة بهذا الإنكشاف وهذا الوضوح لا تسمح لرئيس، مهما كان موقعه من النزاع بأن يصمت. السفراء سيتوقفون عن زيارته، والعالم سيسأله إذا ما كان على علم بما جرى.

هذا ما جرى مع ميشال سليمان في آخر أيام عهده. فالرجل لم يكن خصماً لحزب الله، لا بل كان خياره في مؤتمر الدوحة، لكن الرئيس لم يشعر بأن فتح الحدود للقتال في سوريا يمكن أن يجري في ظل رئيس صامت عن انتهاك بهذا الحجم، فكان أن انتفض معلناً ابتعاده عن حزب الله.

حزب الله يعرف أن مهمته الإقليمية تقتضي إمعاناً في انتهاك السيادة. يعرف أن مرور مقاتلين “أعداء” عبر مطار بيروت من خارج سجلات المطار خطوة تقتضيها حربه في سوريا، وأن استقباله مقاتلين سوريين شيعة أمر تقتضيه حربه في سوريا أيضاً. هذه المهمة ستصبح أصعب في ظل وجود رئيس، مهما كانت هوية هذا الرئيس. والفراغ خيار نموذجي لمن قرر أن لبنان بلد بلا حدود وبلا مطار طبيعي ومرفأ مضبوط الأرصفة والبوابات.

العالم سيطالب الرئيس بالتمسك ببديهيات الرئاسة، وحزب الله لا يعنيه أي تمسك شكلي بالحد الأدنى من هذه السيادة. الفضيحة أكبر من أن يحملها رئيس حتى وإن تربى في حارة حريك. وحزب الله سيصطدم بأي رئيس مهما كانت هويته.

من السذاجة الاعتقاد أن حزب الله يمكن أن ينخرط بتسوية تفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية. مبادرة سعد الحريري نموذجية بالنسبة إليه، ليس لأنها ستأتي برئيس حليف له، بل لأنها مددت الفراغ. فهي أعطت للحزب أفقاً للمراوغة وللتمسك الوهمي بحليفه ميشال عون، بما يتيح مزيداً من الفراغ.

يجب النظر إلى صفقة الزبداني – الفوعة بصفتها استمرار لفضيحة بدأت بإلغاء الحدود والذهاب إلى القتال من دون إذن اللبنانيين.

لكن الصفقة كشفت مرة جديدة أن لا سلطة في لبنان خارج عباءة حزب الله، وأن مشاركة 14 آذار الكرتونية بهذه السلطة ليست أكثر من غطاء تواطؤي تمارسه جماعة هي شريكة حزب الله في انتهاك السيادة وفي تبديد الحدود.

السابق
هذه خيبات 2015 السبعة وهذا الأمل في 2016
التالي
الثلوج في لبنان على 700 متر والعاصفة مستمرة