لماذا تحرّك قطار التسوية ؟

على الرغم من كثافة الغيوم السوداء التي لا تزال تلف سماء المنطقة ، إلاّ أنّ إشعاعات ضوء بدأت تتسرب من بين الشقوق لتنبىء بإشراقة شمس طال انتظارها .
فأجواء من الحلحلة السياسية بدأت ملامحها بالتبلور ، ومن غير الخافي على متابع إنّ من أبرز مواصفات التسوية المنتظرة والتي يعمل عليها ، تتسم بالشمولية ، وتتسع لتطال كامل الملفات دفعة واحدة ، إذ ليس من المصادفة أن يتزامن بدء الحوار المتقاتلين في ليبيا وصولاً إلى توقيع اتفاق سلام في الصخيرات .
مع إعلان وقف لإطلاق النار في اليمن والبدء أيضاً بمحادثات للتوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة، وصولاً إلى صدار القرار الدولي 2254 المتعلق بالملف السوري ، والذي أقر بالأمم المتحدة والقاضي بوقف إطلاق النار والذهاب إلى حوار سياسي لحل الأزمة وإنهاء الحرب الدائرة منذ حوالي الخمس سنوات ، والملفت أنّ القرار هذا أُقرّ بالإجماع وبدون أيّ تحفظ على الرغم من تضمنه لبنود كانت إلى وقت قريب موضع اعتراض بالخصوص ما يتعلق منها بالسلطة الإنتقالية ممّا يعني بالضرورة رحيل بشار الأسد .
وفي نفس هذا السياق يمكن وضع مبادرة سعد الحريري بتسمية سليمان فرنجية للرئاسة ، فلبنان وإن كان بعيداً إلى حد ما عن النيران المباشرة ، واستطاعت الخيمة الدولية من إبعاده عن الوقوع باتون الحرب، إلاّ أنّ الأزمات السياسية التي يعاني منها هي منفصلة بتاتاً عن مجريات المنطقة وبالتالي يمكن إضفاء صفة الجدية على مبادرة الحريري تأتي من هذه الحيثية.
صحيح أنّ الأمور لم تصل بعد إلى خواتيمها السعيدة في كل هذه الملفات المعقدة جداً، بيد أنّ كل المعطيات تؤشر أنّ تحوّل كبير قد طرأ على الأطراف المعنية، وإنّ قراراً كبيراً قد اتخذ من أهل الحل والعقد أفضى إلى وضع قطار التسوية على بدايات السكة، وبدأت عجلاته بالتحرك ولو ببطء ؟
يحلو لنا في هذا المجال أن نطرح السؤال البديهي : لماذا تحرك أخيراً قطار التسوية ؟ الجواب الساذج عن هذا السؤال المطروح بقوة ، هو اعتبار أنّ خطر الإرهاب وبالخصوص هنا يكون الحديث عن خطورة داعش قد وصلت الى مرحلة تهدد بها أمن العالم وبما فيها أمن أولئك الذين يقفون خلفها بغض النظر عن الهويات المتعدد ووصول هذا الخطر إلى قلب اوروبا وأخذ بالتمدد.
هذا الجواب كان ليكون صحيحاً لو أنّ داعش هذه كانت هي السبب وراء كل تلك الأزمات ، أمّا وإنّ داعش ما هي إلا نتيجة وليست سبب فهذا يعني أنّ وراء ما نحن عليه من تحوّل يجب أن يكون بمكان آخر تماماً. الحدث الأكبر الذي استجد في الفترة الأخيرة والذي يمكن أن يكون له تداعيات إيجابية على كل المنطقة اعتقد جازماً أنّه ذلك الذي حصل في جنيف فجر الثلاثاء 14/7 / 2015 بين إيران والدول 5+1، ففي ذلك اليوم ” المجيد ” قررت إيران أخيراً الإبتعاد من إمام القطار والإنتقال إلى داخله.
فبعد أن توصلت إيران إلى التسوية مع المجتمع الدولي، تحوّلت كل أوراقها المعتمدة في المنطقة إلى عبء كبير عليها، وبالتالي فإنّ الذي يجري الآن في مرحلة ما بعد الإتفاق النووي ما هو إلاّ من بركات هذا الإتفاق، حيث صار الوقوف أمام القطار بدون أيّ جدوى .
السابق
مناصرو حسن يعقوب قطعوا اوتوستراد رياق بعلبك بالاطارات المشتعلة
التالي
استشهاد القنطار… أسئلة لا بد منها