العيد في غير موقعه.. في الضاحية !

تمرّ ولادة الرسول الأكرم بخفاء في الضاحية الجنوبية لبيروت ولدى الشيعة بشكل عام. في حين يبالغ المسيحيون بالاحتفال بنبيّهم الذي سبقت ولادته ولادة رسولنا لأكثر من 570 سنة. فما هو السبب؟

أنا مُقيمة في الضاحية منذ بداية الثمانينات، ولم أشعر بغياب الفرح في مناسبات الاعياد العامة الا قليلا جدا. حتى إبان سيطرة القوى اليسارية على الضاحية ومن بعدها حركة أمل.

فالضاحية، ومنذ مدة نسيت الأفراح. وان كنا نشاهد بعض الزّينة العشوائيّة على واجهات محالها التجارية، مسايرة للوافدين والزبائن من خارج حدودها، ومحاولة بسيطة للبيع وتحريك السوق.

الضاحية، على ما يبدو وواقع الأمر، كالأم الثكلى التي إستشهد ابناؤها فلم تعد تعرف للفرح معنى، فلا تتزين، ولا ترتدي أجمل ثيابها.

إقرأ أيضاً: مين هيّ ضاحية بيروت الجنوبية وشو تاريخها؟ (1)

اما العجقة التي اتحدّث فهي بسبب سُكانها المقيمين فيها والذين يتكاثرون يوما بعد يوم نتيجة عوامل عدة منها استمرار النزوح اليها من الاطراف، وزيادة الوجود السوري، والأسعار المقبولة من قبل متوسطي الحال والفقراء، والتعصّب المذهبي الذي انطلق منذ العام 2008 فأدى الى تقوقع في منطقة لا تزيد عن 18 كيلو متر مربع .

هذه الزحمة ليست فقط على صعيد السيارات الكثيرة، والموتوسيكلات المجنونة، بل على هي ايضا صعيد المُشاة حيث يصعب المشيّ في طرقاتها وعلى أرصفتها، رغم كل ما مرّ على قاطنيها من تفجيرات وأهوال.

فالمقيمون غالبا ولأسباب اقتصادية يقضون أوقات فراغهم  بعد الظهر وبسبب عطالتهم، في الطرقات كنوع من ترويح عن النفس، ربما بسبب عادات ريفية حملوها معهم من منابتهم  ولا زالت متجذرة فيهم.

و”العجقة” تجدها في محال الأطعمة والمأكولات التي يُعيب بعضهم انها المؤسسات الوحيدة الناشطة اقتصاديا في الضاحية دون سواها.

والفرح المختفي والغائب عن وجوه المارة في الشوارع العامة سببه الأزمة الإقتصادية الخانقة والأزمة الصحية – البيئية، إضافة الى أزمة الحرب في سوريا، وارتفاع عدد شهداء حزب الله هناك.

فقد بات لكل عائلة شاب قضى في قتاله هناك تقريبا، فمن ذا الذي يجرؤ على التزيين، وإظهار الفرحة؟

إقرأ أيضاً: عن شجاعة أهل الضاحية وسذاجة أهل باريس

علما ان ثمّة مناسبتين دينيتين هامتين قد تُسعفان في توحيد الأفراح، وهما ولادة النبي عيسى، وولادة النبي محمد عليهما السلام. وهاتان الولادتان أجبرتا بلدية حارة حريك على زرع شجرة كبيرة على اتوستراد هادي نصرالله زينّتها باسمي النبييّن الكريمين، ولا ننسى ان للحلفاء حصة فيها فهي رسالة ردا على رسالة مدينة جبيل الترحيبية منذ أيام بحزب اله وبالسيد حسن نصرالله على شاشتها العملاقة-

فثمة خجل يعتري المسلمين من عدم احتفائهم بولادة نبيّهم محمد، كما هو حال المسيحيين. ربما لأن المسلمين الشيعة أبناء الضاحية الحاليين اعتادوا فكرة الحزن لمدة 40 يوما، قبل دخول شهر ربيع الأول, وربما لأن فرحهم لم يصل الى مرحلة التجارة بالمناسبات الحلوة بعد..

فقد اقتصرت تجربتهم على الإحتفاء بمناسبات الحزن، حيث يخاف التجار من “بضاعة الزينة” الخاصة بولادة النبي محمد وكافة الولادات الإسلامية لان الأمر يحتاج الى تسويق دينيّ من فئة هي على تماس نفعي مع التجار.

ففي ظاهرة مُلفتة، عمد مشايخ المنابر في فترة من الفترات قبيل عدة سنوات الى تشجيع الناس على زيارة المقامات من خلال نبش رجال الدين لكل حديث يمت للأجر والبركة والثواب، في تنسيق خفيّ، بين الديني والتجاري، توسع لدرجة ان كل شريكين انقسما ليؤسس كل منهم حملة دينية.

ولكن بُعيد الأزمة السورية خفتت سلطة هؤلاء، ونامت نشاطاتهم التي تقتصر الان على العراق وايران.

ولا تحتاج المقامات في مصر مثلا الا لحديث ما، قد يرى في الزيارة أمرا جليلا،علما ان مصر أقفلت مقامي السيدة زينب ورأس الامام الحسين في القاهرة  خلال مناسبة معينة، منعا لتدفق الصوفية إليه وتكتلهم في ظلّ موجة مذهبية عارمة تضرب الدول العربية.

إقرأ أيضاً: من هي ضاحية بيروت الجنوبية وشو تاريخها؟ (2)

وتبقى الأفراح دوما من إختصاص المسيحيين رغم كل ما مرّ على أبناء طائفتهم في العراق وسورية.

ويبقى اختصاص الشيعة الأحزان، في حين يبقى السنّة على الحياد بعد تحريم عدد من قادتهم الدينيين الإحتفال بأي ولادة او مناسبة منعا لتقليد الغرب المسيحي، واعتبارا ان هذه المناسبة هي مخالفة للشريعة بحسب المذهب الوهابي.

السابق
باسيل بحث مع بان في نيويورك موضوع النزوح السوري
التالي
الأمين في لقاء الصوت المدني: الحراك المدني اسس لمسار التغيير الطويل