لذلك سوف تفشل الفدرالية في لبنان!

تأتي الفدرالية لتطالب بتقسيم جغرافي منطلقةً من خلفية طائفية، في مناطق غير متساوية إقتصاديًا على مستوى الخصائص، مما سيفرض حياةً إجتماعية غير متوازنة وحروبًا جديدة سواءً مباشرة أو غير مباشرة. هذا هو شكل الدولة الفدرالية في لبنان، وهذه خصائصها الجغرافية، الإقتصادية والإجتماعية.

أتت سنوات الصراع الدموية على لبنان لترفع من منسوب الشرخ الداخلي بين أبناء البيت الواحد، الأمر الذي دفع ببعض اللبنانيين في تلك الحقبة إلى الخروج بالكثير من الطروحات التي تتناسب وحقبة الإنشراخ العريض الذي أحدثته تلك الحرب العبثية. ولكن الجدير بالذكر بأنَّ جميع هذه الطروحات لم تكن يومًا جدية حتى يومنا هذا، حتى في عزِّ الإنقسام لم يكن هناك أي مطلب سياسي حقيقي لتقسيم لبنان، وكانت طروحات التقسيم محصورة على مستوى المحازبين أو المفكرين السياسيين ليس أكثر. كذلك يجب التذكير بأنَّ الرئيس بشير جميِّل أتى رئيسًا لكل اللبنانيين، ولم يذكر يومًا بأنه مع التقسيم أو تجزئة الوطن بقعًا طائفية، فهو الحريص على كل مسيحي لبناني من أقصى الوطن إلى أقصاه، كيف له أن يطلب ذلك!

إقرأ أيضاً:مشروع الفيدرالية تلقّى صفعاته الأخيرة والحلّ باللامركزية

هذا في الشكل، أما في المضمون فالأمور أكثر وضوحًا وعقلانية، والسؤال الأبسط للعموم هو: ما هو شكل دولة لبنان الفدرالية؟

ينادي البعض كلما سنحت لهم الفرصة بالفدرالية دون أن يقدموا أكثر من سرد تاريخي يحكي قصة لبنان التي نعرفها جميعنا. لذلك هناك أسئلة تطرح وأجوبة تقدم ردًا على جميع من يعتقد بأنَّ لبنان قابل للتقسيم يومًا.

جغرافيًا: تتداخل المناطق اللبنانية ديموغرافيا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بنسبٍ متفاوتة تصل إلى قرابة ال٣٠٪ في بعض المناطق، سواءً أخذنا معيار الأقضية أو المحافظات بجميع أشكالها المطروحة أو التي يمكن طرحها. فقد سألني يومًا أحد الأصدقاء من الطائفة المسيحية (وهو يسكن في عكار) حول مصيره في حال تم يومًا ما قيام دولة فدرالية في لبنان، ثم إستطرد سائلًا عن سكان المنية والضنية وطرابلس، وشيعة جبيل وسنة الكورة وشيعة البترون، كما هو حال أقضية جبل لبنان ومختلف أقضية الجنوب، وسنة البقاع سكان دير الأحمر ومحيطها، وكل لبنان!

فما كان مني إلا أن أمازحه قائلًا: “بكرا بيطلع مين بقول بدنا نقسمها شوارع وأحياء طائفية”. وهنا أسقطنا معادلة التقسيم الجغرافي على مستوى الأقضية والمحافظات.

إقرأ أيضاً: صمت أمل وحزب الله عن توقيف يعقوب.. أو فضيحة التجارة بقضية الصدر

بعد إسقاطنا المعادلة الجغرافية، لنتناول الطرح إقتصاديًا. تتنوع بيئة لبنان وخصائص ومناطقه الإقتصادية بين ساحلية تجارية وجبلية زراعية، وبعض المعالم السياحية التي لا يتوانى السياسيون بضربها من خلال ضربهم للإستقرار. في الإقتصاد المعادلة هي التالية: يجب أن تتمتع كل ولاية ضمن الدولة الفدرالية بإستقرار إقتصادي وتوزيع ثروات عادل يؤمن لها حجاتها عبر المرافق الحيوية والحركة الإقتصادية التي قد تنتج عن الحركة التجارية والصناعية التي تتحرك في كل ولاية.

هنا يأتي السؤال إذًا عن طريقة خلق معادلة إقتصادية عادلة بين جميع الولايات المراد إنشاؤها، وكيفية خلق عدالة حقيقية في تقسيم الثروات بين مناطق ساحلية مفتوحة على العالم من خلال المرافئ والمطار الدولي، ومناطق داخلية مصيرها معلق برحمة السماء والطبيعة التي تارةً تعطي وطورًا تضرب المحاصيل فتردها هباءً منثورًا بلمح البصر!

خريطة لبنان

إذًا لا تستطيع الفدرالية تأمين عدالة إقتصادية. بل أكثر من ذلك، تقوم الفدرالية بتوسيع الشرخ الإقتصادي بين المناطق فتخلق مناطق غنية تواجهها مناطق فقيرة، مما سيؤدي بدوره إلى هجرات داخلية في ظل نظام مطروح طائفيًا (الفدرالية) الأمر الذي قد يسبب صدامات مذهبية تعيدنا سنوات إلى الوراء.

إجتماعيًا: عاش اللبنانيون معًا مسلمين ومسيحيين في مختلف المناطق وبدون أي مشاكل تذكر (بإستثناء ما خلقته الصراعات السياسية وحروب الآخرين على أرضنا). فإذا أردنا اليوم طرح تمييز بين الجار وجاره بحسب طائفته، سنقتل هذا الرابط الأساسي بين اللبنانيين، وسينظر كل منهم إلى الآخر نظرة الخصم الغريب عن مكونه الطائفي. من هنا تُدحض فرضية تقسيم الوطن بُقعًا طائفية صغيرة ومبعثرة، مشتتة وغير متماسكة، طائفية وغير وطنية. لذلك، لاتتناسب الفدرالية الطائفية من طبيعة لبنان الإجتماعية المتداخلة بأي شكلٍ من الأشكال.

إقرأ أيضاً:بعد إعلان فرنجية ترشحه الرسمي هذه أبرز المواقف السياسية..

بعد تناولنا لكلٍ من الجغرافيا، الإقتصاد والحياة الإجتماعية بشكلٍ منفصل، تأتي الفدرالية لتطالب بتقسيم جغرافي منطلقةً من خلفية طائفية، في مناطق غير متساوية إقتصاديًا على مستوى الخصائص، مما سيفرض حياةً إجتماعية غير متوازنة وحروبًا جديدة سواءً مباشرة أو غير مباشرة.

هذا هو شكل الدولة الفدرالية التي سوف تفشل في لبنان، وهذه خصائصها الجغرافية، الإقتصادية والإجتماعية.

السابق
بالفيديو: 100 ألف دولار مكافأة لكلّ موظف… شاهدوا ردة فعلهم!
التالي
إنها وعود أسامة بن لادن…