السعداوي والمرنيسي والبزري .. رائدات في زمن التدين الوحشيّ

كل إمرأة هي بطلة طالما أنها تُواجه ولو بموقف. هكذا هن هؤلاء الباحثات، وان كان القليل من الجمهور يعرفهن. الأولى مصرية، والثانية مغربية، والثالثة لبنانية.. شكّلن دون أي إتفاق صورة عن عربيات مختلفات بعيدات عن صورة المرأة المثالية في أذهاننا، والتي صنعها لنا الإعلام، وهي إما أن تكون أميرة او فنانة. ومناسبة الكلام هي رحيل الرائدة فاطمة المرنيسي.

كنت لازالت في الصف الثاني ثانوي حين استمعت الى محاضرة للدكتورة دلال البزري  في مركز التجمع النسائي الديموقراطي في بيروت. وأعجبت بها أعجابا شديدا. خاصة انه كانت في مواجهة موجة إسلامية حاقدة ضد النساء اللواتي يخرجن الى البحر بالمايوه.

بعدها مباشرة تعرّفت الى الكاتبة نوال السعداوي من خلال عملي في أحد دور النشر حيث أدمنت قراءة كتاباتها لدرجة نهرني معها صاحب الدار – الذكر- خوفا عليّ منها!

وتعرّفت الى فاطمة المرنيسي من خلال كتابها “الحريم السياسي” الذي رأيت فيه فتحا جديدا.

هؤلاء السيدات الكاتبات او الباحثات جاء تعرفيّ على كتاباتهن المميزة تدريجيا، وتطورت معرفتي بهن بعد مزيد من الإطلاع، وهن باحثات يحاولن دوما الإضاءة على البنية الدينية والسياسيّة للظلم الواقع على المرأة المسلمة في العالم العربي.

ولعلنا اليوم بحاجة لهن ولأخريات للعمل على دراسات تبحث في التخلّف الناتج عن إنتشار “داعش” وإخوته بشكل خطير في البيئات التي كانت تحلم بتغييرها هؤلاء الباحثات في محاولة لتفكيك البنيّة الهرمة، وان كان لكل واحدة إسلوبها ونمط عملها.

إقرأ أيضاً: النقاب والخمار: أهما من الثقافة الاسلامية؟
فقد استفادت السعدواي من الجو الناصريّ اليساريّ وضربت ضربتها العظيمة بنصوص وأبحاث ودراسات تفصيلية فككت خلالها المجتمع المصري بشكل خاص، الا ان آراءها السياسية حوربت- ربما- وخلقت تيار خاص بها ولو نسويا.

أرادت نوال السعداوي ان تكون يسارية ضد اليسار، ومسلمة ضد الإسلام، وإمرأة ضد المرأة نفسها، وسعت لتفكيك الأوهام والأساطير والخرافات، لكنها واجهت مقاومة نسوية أولا أكبر من مواجهة السلطات القائمة على تثبيت الخرافات، ولم يكن اعداؤها هم من المتدينين فقط، بل كانوا من السلطويين الذين سجنوها طويلا. وهي لا تزال تواجه وتقاوم وتدفع باتجاه جديد، لأن السلطة الذكورية تجدد نفسها في مصر بأسماء وبأشكال متنوعة، لدرجة بلغت معها نشر اشاعة وفاتها كجزء من الحرب عليها.

اما المرنيسي فقد استفادت من الدراسات الغربيّة لفضح وكشف البنيّة الخفيّة للمجتمع العربي العام والمغربي بشكل خاص، كونه عالم مجهول بالنسبة لكثيرين، وهو عبارة عن مجتمع (حريم) قائم على تأبيد السلطة السياسية والدينية في تواطؤ ضد العنصر الأقل سلطة ظاهريا، أي المرأة- ومن قرأ رواية السجينة للمغربية مليكة أوفقير يدرك جزءا بسيطا من المحيط الملكيّ العابث بالخفاء، إضافة الى رواية الطلياني للتونسي شكري المبخوت حيث المجتمع التقليدي واليساري معا لا يرى في النساء ليس الا صورة إستعبادية رهيبة- وتوجهت كتابات المرنيسي نحو أسس المجتمع المغاربي الذي يقوم على أبوية سياسيّة بدعم غيبي دينيّ رهيب في تزاوج بين فكرة الرب والملك. ورحلت فاطمة المرنيسي ولم ترحل الملكيّة ولا النمطيّة ولا “الحريميّة” في المغرب العربي الذي يشبه الى حد بعيد عصر الحريم العثماني.

إقرأ أيضاً: الفردية المنقرضة في مواجهة الشموليّة الدينية السائدة

في حين ان اللبنانية دلال البزري لعبت عالمكشوف، ونشرت أبحاثها ودراساتها ومقالاتها مصوبة على مكانين ونقطتين بحسب مراحل كتاباتها هما النظام الطائفي، والنظام الحزبي الشبيهان ببعضهما بطريقة من الطرق. ان في اسلوب البزري ميزة هي رفض المتعارف عليه من أفكار ومحاولة تهبيطها.

نقدت البزري اليسار الذي إنتمت إليه وعملت تحت جناحه فلم تعفه من تشريحها. فسلّطت قلمها نحو التشابك القائم والعريق بين النظامين الطائفي والسياسي في لبنان. وحاولت ان تخرج من يساريتها نحو ليبرالية جديدة مقنّعة، لكنها لم تزل تؤيد التشريح الذي يقف عاجزا أمام تخلّف المجتمع اللبناني الغشّاش الذي يُوحي بإعلامه “البترودولاري” أن نساءه حُرّات، في حين أنهن عبيدات المال والمجتمع والسلطة.

هؤلاء النسوة الثلاث رائدات عربيّات لم يفلحن في نزع الغشاوة السميكة عن بُنية قائمة تمنع التحرر. فكم من سعداوي ومرنيسي وبزري نحتاج الآن بعد ان اشتدت سماكة الغشاوة في عصر التديّن الوحشيّ.

السابق
حقيقة أمير يزبك مع المخدّرات..
التالي
صمت أمل وحزب الله عن توقيف يعقوب.. أو فضيحة التجارة بقضية الصدر