عقدة «إزدواج الشّخصية» عند اللبنانيين… ما سببها؟

حالة من الهستيريا والإرتباك سبّبها طرح الرئيس سعد الحريري لإسم النّائب والوزير السّابق سليمان فرنجية، وترشيحه له لرئاسة الجمهورية في صفوف عددٍ كبيرٍ من القوى السّياسيّة. حيث إصطدم هذا التّرشيح الشّفوي غير الرسمي بحائط الصّراع النّفسي عند أغلبية اللّبنانيين نتيجة التّنافر الطّبيعي والمتوقّع بين المبادىء والإعتبارات الأخلاقية التي يؤمن بها كل طرف من جهة، وتضاربها مع شهوة الفوز بالخلاص من جهة أخرى.

ردود الفعل المربكة على تسوية مبادرة ترشيح فرنجيّة، دفع ببعض المحلّلين إلى لعب دور الباحثين النّفسيين ليجدوا العلاج، فقد تبيّن بما لا يقبل الشك بأنّ أكثر النّاس مصابون بشيء منه، قليل أو كثير، وأجد أنّه قد يزمن عند بعضهم فيسبّب لهم إنحرافات لا يحمد عقباها تنتقل من الإزدواجية في الشخصية إلى الصراع النفسي.

اقرأ أيضاً: همروجة ترشيح فرنجية…هل تخفي قطبة مخفيّة؟!

كلّ شيء في هذا البلد حاصل “بزمبلك”، ومستحيل أن يتحرّك من تلقاء نفسه، وهنالك بعض من النّاس عقولها مهيّأة لمعرفة الظّواهر، ولكنها تعجز بطبعها عن إدراك الماهيات.

قصّة الرّئاسة لم تبدأ فصولها لحظة إقتراح إسم رئيس حزب المردة سليمان فرنجية، إنّما هي أتت بعد مقدّمة وإهداء وحاشية وقضية وأحداث مبدّلة وإشارات وإستعارات وتشابيه ومقابلات ومفاضلات ومطابقات قبل أن تصل إلى الفصل الذي نقرأ فيه. ذلك أنّه، وبعد إنتهاء عهد فخامة الرّئيس ميشال سليمان طلب من بكركي حينها المبادرة إلى تشكيل طاولة حوار تدعو لها، ويشارك فيها أقطاب مسيحيّين ذات تمثيلٍ واسعٍ من بين شخصيّات كثيرة مقدّرة ومحترمة وتتمتّع بوزنٍ سياسي، ورست حينها، ولا ندري كيف ولماذا أو على أيّ معيارٍ، على إختيار الشّخصيات الأربعة المعروفة للتباحث بموضوع الرئاسة، والترشح بعدها إما أحدها أو من تراه مناسباً لذلك، وهم كما بات معروف الرّئيسين الجميّل وعون والسّيدين جعجع وفرنجية.

ومنذ اللّحظة الأولى سعى دولة الرّئيس سعد الحريري وهو ما لا يخفى على أحدٍ إلى التّسويق لأحد المرشّحين المتوافق عليهم مسيحياً وهو السّيد سمير جعجع رئيس حزب القوات اللّبنانية، ورافقه في زيارات مكّوكيّة بدأت بالمملكة العربية السّعودية مروراً بقطر و منها إلى باريس وقبلها بالتّداول مع الدّبلوماسية الأمريكية ولكنها لم تفضي إلى نتيجة. تبعها زيارات مماثلة للرّئيس أمين الجميّل قادها هو شخصيّاً ورشّح فيها نفسه واقترح إسمه أمام المحافل الدّولية المؤثّرة ولم تصل محاولاته أيضاً إلى رضا أو نتيجة فعليّة.

عون وفرنجية

في هذه الأثناء كانت تتكثّف الإتصالات بين رئيس تيّار المستقبل أيّوب الجمهورية ودولة الرّئيس ميشال عون عبر مقرّبين منه ومنهم صهره جبران باسيل، وحدث أن أبلغ الحريري مراراً من يهمّه الأمر أنّه لا يمانع من وصوله إلى الرّئاسة في حال تأمّن له ذلك وذلّلت العقبات، وهو ما ترافق مع ثورة إعتراضات داخل تيّار المستقبل، من قبل بعض كبار كوادره، حيث هدّدوا حينها بالإستقالة الجماعية. ولكن ولأسبابٍ يعلمها المعنيين إصطدم التّرشيح بعواقب دوليّة وإقليميّة ومحليّة.

الأمر نفسه والغاية نفسها دفعت بالرّئيس الحريري إلى خيار فرنجية، وسلكت المشاورات الطّريق نفسها التي سلكها موضوع ترشيح الأخرين من نادي الاربعة، وشارك فيها إلى جانب الحريري هذه المرة قادة من حزب الله متعهدين في حال حصوله على قبول محلّي مقبول وإقليمي ودولي من المعنيين، السّير به وتذليل العقبات أمامه وهو ما قابله الحريري بالعبارة نفسها لناحية إقناع حلفائه المسيحيين بالمبادرة التّسوية.

سليمان فرنجية

هي عقدة الرئاسة اللبنانية وإنه زمان التّسويات، وهي أي المنطقة لن تنتظر طويلاً غنج اللّبنانيين، أمامهم قليل من الوقت ليحفظوا ماء وجههم وكرامة وطنهم، واللاعبون الكبار في لبنان من المتورّطين بالصّراع الإقليمي بأمسّ الحاجة إلى هذه التّسوية لعدّة أسباب، أبسطها حجم خسائرهم، وأعقدها عدم قدرتهم على إدراك خواتيم الصّراع بعد أن طال.

وللنّاس أن يدركوا أنّ اللّيبرالية طالما ارتبط وجودها وترافق مع وجود قيادة أو قائد يرسم لها حدودا، ويملك القدرة على اتخاذ القرار وإن تشاركت في صنعه أطراف كثيرة، يبقى ان الجسد له “رأس” يصدر القرار وفي قاموسس الاحزاب السياسية يطلق عليه إسم “الجهة صاحبة التأثير”.

السابق
هيلارى كلينتون تستنكر تصريحات ترامب بمنع دخول المسلمين إلى أمريكا
التالي
نشطاء شيعة: هذا ما خلّفه الشيخ حسن عوّاد في المحاكم الشرعية‏