د. عصام خليفة: الحلّ بعلمنة الدولة والمجتمع

عصام خليفة
الطوائف كيانات نشأت في هذا الشرق منذ قيام الأديان باعتبار أن التشكيلات كانت تتأثر بالعقائد. هذه الطوائف بالمفهوم الحديث تعود مباشرة إلى نظام الملك في الدولة العثمانية. التي أقرت رسمياً بتعدد الانتماءات واعترفت بها في القرن التاسع عشر. بموجب ذلك كان هناك دور أساس للنظام التربوي حيث لعبت الارساليات ولا سيما الأجنبية منها أيضاً دوراً مؤثراً من خلال تأثير روما من جهة والارساليات الفرنسية والروسية والأميركية من جهة أخرى.

في منتصف القرن التاسع عشر نظمت الحياة السياسية في جبل لبنان على أساس التمثيل الطائفي، خصوصاً في قطاع القائمقاميّتين والمجلسين في كليهما والتمثيل كان طائفياً، والذي يعين الممثلين للطوائف في كل مجلس (النّصارى والدروز) المرجعيتان الدينيتان.

اقرأ أيضاً: الدكتور ملحم شاوول: مفهوم المواطنة ارتبط بظهور الحداثة

استمر هذا الأمر في نظام المتصرفية ومجلس إدارتها للتمثيل الطائفي للصراعات السياسية في المرحلة السابقة لهذا التاريخ كانت على قاعدة الفرضيات والعصبيات السياسية. الدروز والموارنة والسنّة والشيعة مثلاً كانوا في الحزب القيسي، ومثلها في الحزبين اليمني والأبلاطي واليزبكي. في منتصف القرن التاسع عشر، وفي ظل العوامل المؤثّرة، من ضعف الدولة العثمانية وحضور “المسألة الشرقية” الغربية والفوضى البطركية، والتراجع الدرزي وتدخّل الدول الأوروبية والدولة العثمانية تدخلوا لاستغلال هذه الانقسامات. فالمسيحيون ساعدوا إبراهيم باشا وخصوصاً الموارنة فأيدوا مشروعه وفرنسا، لأنه فرض مبدأ المساواة (بدءً من أهل الذمّة والجزية). واستغل إبراهيم باشا الموارنة لقمع الدروز في حوران في ثورة محمد علي باشا.

جذور المسألة الطائفية تكمن في طبيعة الأديان والمفهوم التقليدي في لبنان، للشيعة واحد في المجلس الطائفي، وممثلاً السنة، (2) يمثلون السّنة والشيعة في الدولة العثمانية التي كانت على المذهب الحنفي. فجذور الطائفية تعود إلى تنظيم الشريعة للمجتمع، وكيفية ممارسة الدولة للشريعة، فالنّصارى واليهود دفعوا الجزية، الدروز يدفعون “دورة عالية”. والعليّون يدفعون “درهم الرجال” (تسمية للتخفيف عن معنى: الجزية).

فالدولة كانت قائمة على الشريعة، وتنفذ التشريع الديني على المجتمع: نصارى، يهود، علويون، شيعة، سنة (أهل ورعايا الدولة). إنه مفهوم القرون الوسطى. وكان هذا سائداً في أوروبا. كانت الدولة مبنية على الدين. فرنسا كانت دولة كثلكة. ومع الثورة الفرنسية نقلت مفهوم الدولة إلى الوطن. ودخل مبدأ المساواة على الجميع نتيجة تطور اقتصادي اجتماعي.

محمد عقل

سقطت الدولة العثمانية ونشأت دول المشرق، والكيانات الوطنية العربية الحديثة. في هذه الفترة اتفقت السياسات الدولية على قيام الوعد القومي لليهود في فلسطين. وهذه نقطة مهمة لأن الدولة الدينية (اليهودية) ركبت في فلسطين. ودول المشرق وخصوصاً في لبنان، كان دستورها عبارة عن تسوية بين المفهومين الليبرالي الطائفي (1926).

المأزق الحاصل في لبنان على امتداد المراحل السابقة تمثّل في عدم تطور المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية باتجاه المساواة 1936 (اجتماع في منزل يوسف السودا) وحصل ميثاق وطني مكتوب بمشاركة نخب الطوائف. وكان متطوراً.

1943 حصل اتفاقٌ بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح قسّم السلطة بموجبه في الدولة كما هي الآن، توزعت طائفياً والانتداب أرجع المسيحيين (5 نواب مسلمون، 7 مسيحيون). ممارسات المرحلة الاستقلالية لم تطور البنى الثقافة الاقتصادية. ولم تتجه باتجاه العلمنة، أو المواطنة. بل كرّست الوضع الطائفي. ما أدى مع عوامل أخرى تمثّلت في فتنة 1958.

مجيء فؤاد شهاب أحدث مساواة. مع الحفاظ على الكفاءات من كل طائفة وتكرست المناصفة. وكان للشيعة دور سياسي وثقافي أساسي لأسباب محلية ودولية. اندلعت “الحروب اللبنانية المركبة” 1975، وتعرض لبنان الوطن والديموغرافيا والاقتصاد إلى تدمير ممنهج ومشاريع تفتيت من دول مختلفة ما أدى لانهيار صيغة لبنان المتوازن.

الطرح الإسلامي عموماً كان للمشاركة. الطرح الشيعي مع الإنماء للأطرف، ولكن ما حصل فعلاً هو استغلال من قبل دول وقوى إقليمية: سورية والفلسطينيين للتدخل في الوضع اللبناني: إلحاق ودولة ضمن دولة، إضافة إلى دخول “إسرائيل” واحتلالها. دخلت لتحقيق أطماعها في المياه والأرض إلى أن حصلت تسوية الطائف 1989، التي طرحت المناصفة في ظل الوصاية السورية. سوريا أدارت الخلافات لتسويغ تدخلها لضبط الاضطراب. وكذلك دخلت إيران على الخط لاحقاً، السفير محتشمي، يقول مثلاً: حزب الله ليس حليفاً لإيران بل هو جزء من مؤسساتنا الأمنية والعسكرية.

فتسوية الطائف أجّلت قيام الدولة، وكانت الصيغة مضطربة لتأمين المصالح السورية والتابعين لها، بعد خروجها 2005. لم يحصل تحول فعلي لبناء الدولة. استمر الصراع، دخلنا متاهة الصراع المذهبي السنّي – الشيعي والدولي الإقليمي (إيران – السعودية) وتواصلت زلازل المنطقة: العراق، وسوريا، وهو ما انعكس على الوضع.

اقرأ أيضاً: ما هي خصائص الدولة وما هي وظيفة المجتمع؟

الحل هو في علمنة الدولة والمجتمع والتربية والثقافة. ونقل الإنسان في لبنان إلى مرحلة المواطنية والعدالة الاجتماعية. والميثاق الوطني في جوهره قيام دولة تتكون من المسيحيين والمسلمين. وهناك تيارات سنّية وشيعية ليست ضد الدولة المدنية، بل عشرات الآيات القرآنية تحض على المدنية والإنسانية وتتطابق مع شرعة حقوق الإنسان.

السابق
الطقس غدا غائم جزئيا من دون تعديل في الحرارة
التالي
بري تسلم من عسيري دعوة لزيارة المملكة