ما نوع اللامركزية التي تريدها فعلاً الأحزاب السياسية؟

نتجت التظاهرات الأخيرة والدعوات إلى الاصلاح السياسي في لبنان عن، وركزت على عجز الحكومة في معالجة أزمة النفايات. أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين يتمثل بإعطاء البلديات مزيداً من الصلاحيات في إدارة النفايات وكيفية الانفاق على جمع وتدوير النفايات. دعوات كهذه تستجدي سؤالاً أوسع: ما هي طبيعة قانون اللامركزية التي تريده فعلاً الأحزاب السياسية؟ وفقاً لنتائج مسح حديث قام به المركز اللبناني للدراسات، يؤيد معظم النواب اللبنانيين دوراً مقيداً للمجالس المناطقية، كما يؤيدون المحاصصة الطائفية للمسؤولين المنتخبين فيها، ويفضلون أن ينتخبها السكان المسجلون، في حال اعتماد قانون لامركزية إدارية جديد. بعد إطلاق مسودة مشروع قانون اللامركزية الجديد في نيسان ٢٠١٤ على يد اللجنة التي شكّلها رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي في تشرين الثاني ٢٠١٢ وترأسها وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود، عمد المركز اللبناني للدراسات إلى إجراء مقابلات مع ١٢٠ شخصاً من قادة الرأي للاستماع إلى أفكارهم وآرائهم حول اللامركزية الإدارية بشكل عام ومختلف عناصر مسودة مشروع قانون اللامركزية.
ومن بين الذين شاركوا في تلك المقابلات، نواب أعضاء في لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النيابية، ولجنة الإدارة والعدل، وأعضاء رفيعي المستوى في الأحزاب السياسية، ورؤساء بلديات، ورجال دين، وخبراء، وأعضاء من منظمات المجتمع المدني.

سُئلوا عن الجوانب المختلفة لهذا القانون الذي يحوّل وبشكل جذري الأقضية إلى مجالس منتخبة منوطة بصلاحيات توفير مجموعة واسعة من الخدمات فضلاً عن الموارد المالية اللازمة للقيام بذلك. ركّز الاستبيان المبني على أسئلة مغلقة بمجمله، على خمسة مجالات رئيسية هي: كيفية فهم المستجوبين للامركزية، والانتخابات، وصلاحيات مجالس الأقضية وتمويلها، ونظام التحويلات المالية.

مؤتمر اللامركزية من اجل التنمية

ومن خلال هذه الدراسة، نجحنا في تكوين صورة أوضح عن رأي النواب حول اللامركزية. وعلى الرغم من أن أكثر من تسعين بالمئة منهم يؤيدون اللامركزية، فإن هذه النسبة العالية من الدعم تخفي مسائل خطيرة. باختصار، يبدو أنهم يفضّلون أن يكون دور مجالس الأقضية محدوداً، كما يؤيدون المحاصصة الطائفية، ويفضلون أن ينتخبها السكان المسجلون بدلاً من السكان المقيمين. إذا يتبيّن أن موقفهم هذا لا يبرز رغبتهم في الحفاظ على المحاصصة الطائفية وحسب، بل يرغبون في الحؤول دون إدخال أي إصلاحات سياسية.

على سبيل المثال، تنطوي إحدى أبرز ركائز اللامركزية على إعطاء صلاحيات واسعة للمجالس المنتخبة وموارد مالية لا تتوفر بغياب اللامركزية. وعلى الرغم من أن أكثر من ٨٨ ٪ من السياسيين وكبار أعضاء الأحزاب يعتبرون أن الانتخابات والتمويل عناصر أساسية في اللامركزية، فإن تأييدهم لعملية منح صلاحيات واسعة للمجالس يبلغ فقط ٦٠ ٪. وهذا يتناقض بشكل حاد مع موقف ٩٦ ٪ من المستجوبين الذين يعتبرون أن الصلاحيات هي المفتاح لتحقيق اللامركزية.

وعلاوة على ذلك، ٣٤ ٪ فقط من السياسيين وأعضاء الأحزاب البارزين يعتبرون أن مجالس الأقضية يجب أن تتمتع بصلاحيات واسعة وبسلطة تحصيل الضرائب مقابل ٥٨ ٪ آخرين ممن شملهم الاستطلاع. في الواقع، يفضّل قادة الأحزاب والسياسيون ( ٦٣ ٪) أن تقتصر مسؤوليات مجالس الأقضية على دور تنسيقي بين البلديات.

وبالإضافة إلى ذلك، تظهر النخبة السياسية في موضع المؤيد لترسيخ الطائفية في مجالس الأقضية. وعندما سُئلوا عما إذا كانوا يؤيدون توزيع مقاعد مجالس الأقضية على أسس طائفية، أكّد ٦٩ ٪ من السياسيين وكبار أعضاء الأحزاب أنهم يؤيدون مثل هذا الاجراء مقارنة بفقط ٢٨ ٪ من الآخرين. يبدو أن الأحزاب السياسية لا ترغب إطلاقاً في إصلاحات جدية إذ تبدو حريصة على تكرار التجربة البرلمانية من خلال جعل السكان المسجلين وليس المقيمين ينتخبون ممثليهم. في الواقع، ٤٠ ٪ من قادة الأحزاب والسياسيين مقارنة بفقط ٢٦ ٪ ممن شملهم الاستطلاع يريدون أن تجري الانتخابات على أساس عدد السكان المسجلين.

إن وجود صندوق لامركزي هو جزء أساسي من تمويل القضاء. واستنادا إلى أفضل الممارسات، يجب أن يضع هذا الصندوق معايير توزيع واضحة للحؤول دون المحاباة. وعندما سُئلوا عن معايير توزيع الأموال، قال ٤٠ ٪ من السياسيين وكبار أعضاء الأحزاب أنهم يفضلون أن يحصل ذلك بشكل تخصيصي (على أساس الغرض) مقابل ١٩ ٪ آخرين ممن شملهم الاستطلاع.

وأخيراً، كي يتمكّن السياسيون من اتخاذ القرارات السليمة، يُتوقع منهم أن يكونوا على دراية بالحقائق والأرقام حول البلديات والإنفاق البلدي. ليس من نائب واحد، ولا حتى من أعضاء اللجان، يعرف قيمة الأموال التي يتم تحويلها من الحكومة المركزية إلى الإدارات المحلية عبر الصندوق البلدي المستقل أو كم تبلغ حصة الإنفاق البلدي من الإنفاق الحكومي العام.

عندما تدعو الأحزاب السياسية والسياسيون إلى تحقيق اللامركزية، لا بدّ من توخي الحذر بشأن نواياهم الحقيقية. ففي نهاية المطاف، لا يبدو النواب مهتمين باللامركزية كخطوة أولى نحو الإصلاح السياسي الواسع بل فقط كوسيلة لتوطيد سلطتهم.

(اللبناني للدراسات LCPS)

 

السابق
جو معلوف يفتح ملف شربل ميشال سليمان
التالي
ماذا قال السياسيون في عملية التبادل