العروبة

هاني فحص

العروبة هي العربية انتماء طوعياً واختيارياً وإنسانياً لا عنصرياً ولا عدوانياً. هي اللغة والثقافة التي أبدعناها معاً. وشارك في إبداعها أقوام آخرون، من الكرد إلى الأمازيك، ومن الصابئة إلى السامرة إلى السريانيين وغيرهم، وما بين هذه الأقوام والأديان من شعوب عظمى وأديان ومذاهب كبرى…

اقرأ أيضاً: أبو عمار.. الختيار.. ملك التفاصيل

إذاً، فالعروبة هي الشراكة الحياتيّة والحضارية والعمرانية والمعرفية والفنية والأدبيّة بين كل الذين يتكلمون العربية، أو ينهلون الثقافة من المصادر العربية، إنها شراكة الماضي national شمولياً مدمّراً، كما ذقنا وطعِمنا في العراق وسوريا وغيرها.
والعروبة تحمل وتتحمّل وتقتضي مشروعاً حضاريّاً وإنسانياً متحدّراً من كل المورث الشرقيّ الإسلاميّ المسيحيّ والتوحيديّ عموماً، والمتداخل مع تراث البشرية جمعاء. هذا المشروع الحضاري، يجب ترجمته في مشروعات فرعيّة قوميّة، بمعنى وطنية Patrie تؤسّس العامّ بالخاصّ وتسيّج الخاصّ بالعامّ.

العرب
وفي لبنان مثلاً، يتّضح يوماً بعد يوم، وحرباً بعد حرب، وخراباً استبداديّاً بعد خراب، وربيعاً يبشّر بالخير وينذر بالويل معاً بعد ربيع، أن إنجاز لبنان مجتمعاً تعدّدياً موحّداً على تنوّع، مختلفاً على تآلف وائتلاف، ودولة جامعة حديثة معاصرة أصيلة متغيّرة ومتداولة، هو الحلّ لمسألة الانتماء والهويّة التي أصبحت كينونة قَتلت وقُتلت. وإذا بقيت صيرورة عاشت وأحيت. وهي لا تكون صيرورة على ثوابت ومتغيرات وجدل عميق ودائم بينها، إلا إذا كانت مركّبة من مستويات عدة ومتراكمات كثيرة. بعضها خفيّ ولكنه عميق، كالفينيقية مثلاً، وبعضها جليّ، كالعروبة والإسلام والمسيحيّة واللبننة أو اللبنانيّة. وليس في إمكان أي مستوى من هذه المستويات أو في مصلحته تهميش الآخر أو القطيعة معه، وإن حصل أحياناً أن مستوى معيّناً قد استأثر بالظهور، فإنها مسألة مرهونة بالتحديات.
فأنا في لحظة السجال أو الحوار مع الفارسي أو التركي أو الجرماني عربي. وفي لحظة الحوار أو الجدال مع العراقي أو المصري لبناني. وفي لحظة يظهر إسلامي أو تشيّعي أو جنوبيتي قد تظهر مدينتي أو قريتي أو أسرتي. ولكن ليس على حساب المستويات الأخرى، بل يمكن أن تكون لحسابها جميعاً إذا وعينا حكمة التركيب والاختلاف.

اقرأ أيضاً: من جمال الدين الأفغاني الى هاني فحص

أنا كل هذه الأبعاد، فإذا كنتها كانت حيويتي أقوى وحياتي أحلى، والبعد الواحد هو فقر وموت وعدم، ولا إبداع من دون تركيب.

السابق
الكرملين: لا لقاء بين بوتين واردوغان في باريس
التالي
اللواء جعفري: احبطنا محاولات داعش لزعزعة الامن في ايران