د. أنطوان حدّاد في ندوة «شؤون جنوبية» يحدد الاعطال في النظام اللبناني

بعد كلمة الإفتتاح التي ألقاها الصحافي على الأمين في الندوة التي عقدتها مجلة "شؤون جنوبية" بالتعاون مع منتدى صور الثقافي تحت عنوان "إشكالية الهوية المركبة"، أمّا الجلسة الأولى كانت برئاسة الدكتور أنطوان حداد وقد تناولت "دور الطائفية في بنية النظام السياسي". وجّه حداد الشكر "شؤون جنوبية" عن "مجمل نشاطاتها الثقافية الرائدة، والى منتدى صور الثقافي تلك الواحة الغناء التي تعكس صورة صور الحاضرة عبر كل العصور".

إذا كانت الأنظمة الديموقراطية الحديثة تعنى أساساً بإدارة التعددية السياسية، أي بتنظيم الصراع والتعاون بين الخيارات السياسية، فإن النظام السياسي في لبنان قد تنكب لا بل الزم نفسه منذ نشوئه، أقله نظرياً، بإدارة طبقتين أو مستويين من التعددية، التعددية السياسية كما في أي نظام ديموقراطي، والتعددية الطائفية لا بل المذهبية.

إقرأ أيضاً: إشكالية الهويّة اللبنانية المركبة: ندوة فكرية لشؤون جنوبية في منتدى صور

بالإضافة إلى ذلك ونظراً لطبيعة الاجتماع السياسي اللبناني وللعلاقات العضوية ما بين الداخل والخارج اللبناني، ونظراً لاضطرابات المنطقة الواقعة على خط عدد من الزلازل الجيوستراتيجية، فإن هذه المهمة الثنائية سرعان ما تحولت إلى مهمة ثلاثية، إذ أضيف إليها واقعياً مهمة إدارة الصراعات والتوازنات الإقليمية.

ان لبنان ليس فريداً في تنوّعه لكن هذه الازدواجية الموروثة عن نظام الملل العثمّاني، والذي تجسد بداية مع نظام المتصرفية (1860) ثم مع نشوء لبنان الكبير (1920) تجعل من النظام اللبناني إلى حد ما فريداً من نوعه في العالم، إذ ان النماذج الأخرى للتعامل مع التعددية غير السياسية، أي التعددية الدينية أو الاثنية أو اللغوية، فهي تتم أما:

1) بقمع الأكثرية للأقلية، أو الأقلية للأكثرية، والذي ينشأ عنه أنظمة استبداد، أكثرية او أقلية (العراق وسوريا هما الاقرب في بعض المراحل الى هذا النموذج)؛

2) أو بالطلاق، أي التقسيم، سلميا (نموذج تشيكوسلوفاكيا) او بالعنف (نموذج يوغوسلافيا مثالا)؛

3) أو بإقامة نظام اتحادي (فدرالي، كونفدرالي) أو درجة عالية من اللامركزية تكفل إدارة وحماية التعددية الاثنية أو اللغوية أو الدينية ضمن دولة واحدة (سويسرا وكندا وغيرهما).

إذن النظام اللبناني مثقل منذ نشوئه بادارة ثلاثة أعباء، وبالتالي هو لم يتمكن من تأمين الاستقرار إلا في حقبات محدودة أو قصيرة، اما تحت الوصاية الخارجية او لانخفاض حدة الصراع الخارجي:

– تحت نظام المتصرفية (1860-1914) حيث كان يشكل نوعا من “الكانتون الاتحادي” تحت السيادة العثمانية؛

– تحت الانتداب الفرنسي (1920 – 1943)

– تحت الوصاية السورية (1990 – 2005)

– في الفترة الشهابية وامتدادها (1958 – 1968) نتيجة، توازن النزاعات الخارجية.

لكن فترات الاستقرار “الخارجي” تلك شهدت إما خللاً في إدارة التنوع الطائفي عن طريق تغليب مجموعة طائفية على أخرى — أي تمييز لصالح المسيحيين (خصوصا الموارنة) أيام الانتداب وما تلاه استمر نظرياً حتى 1975، ثم حرب أهلية طويلة (1975-1990)، ثم تمييز ضد المسيحيين تحت الوصاية السورية (1991-2004) — اما خللاً في إدارة التعددية السياسية أو جنوح نحو الحكم العسكري/البوليسي، أي قمع للمعارضة وللحريات السياسية، كما جرى تحت حكم الشهابية.

إقرأ أيضاً: ندوة شؤون جنوبية تعالج الهوية الشيعية: تضحمها ومقاربتها لفكرة الدولة

أين نقف اليوم؟

ها نحن اليوم، وبعد عشر سنوات من الصراع والتأزم اعقبت خروج القوات السورية من لبنان، بتنا نقف أمام تعطيل شبه كامل، وذلك على المستويات الثلاثة التي يفترض بالنظام إدارتها: 1) التعددية السياسية. 2) التعددية الطائفية (أو ما يعرف بالعيش المشترك). و 3) التوازنات الخارجية.

على مستوى ادارة التعددية السياسية وتداول السلطة، يلحظ ان الانتخابات مؤجلة منذ 2013 والمجلس النيابي ممدد له اقله حتى منتصف 2017. حتى انتخابات 2005 و2009 لم يؤخذ بنتائجها في تشكيل الحكومات. البعض قد يقول أن التعددية السياسية مصانة، انما في رايي انه لا قيمة للتعددية الشكلية ما لم تجد طريقها إلى الانتخابات وتداول السلطة. والأهم انه لا قيمة للتعددية ما لم تكن داخل كل طائفة، في حين اننا نشهد سيطرة احتكارية (مونوبول) أو في أحسن الأحوال ثنائية (ديوبول) داخل كل الطوائف والمذاهب.

ادارة التنوع الطائفي (أو قضية العيش المشترك، أو العيش الواحد، أو المساكنة، سمّها ما شئت) ليست في أحسن أحوالها مع نمو مخاطر الفتنة السنّية–الشيعية التي حلت مكان الانقسام التقليدي المسلم–المسيحي الذي رافق لبنان منذ تكوينه.

على صعيد ادارة الصراعات والتوزنات الاقليمية، فان الاستقطاب الخارجي لم يكن يوما على هذه الدرجة من الحدة وهو يحمل في طياته مخاطر الانفجار لأنه مطابق لخط الانقسام السنّي–الشيعي.

كيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق المثلث؟ وربما مما هو أخطر منه أي الانزلاق إلى الهاوية أو إلى حافة الانفجار؟ أو ربما كيف نوقف هذا الاهتراء او التفتت المريع في جسدي الدولة والاقتصاد والذي يسابق خطر الانفجار أو خطر الانهيار؟

في رأيي انه لا بد من التفكير انه على المديين المتوسط والطويل، بات لزاما علينا:

أولاً – تخفيف الأعباء والمهام عن كاهل النظام اللبناني أي اعادة محورته وتركيزه حول المهمة الأساسية لأي نظام ديموقراطي قابل للاستقرار والحياة، أي إدارة التعددية السياسية ومسألة تداول السلطة بناء على المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين مواطنين أفراد، وليس بين جماعات.

ثانياً – لا بد من حصول هذا الأمر بالتدريج ووفق آليات انتقالية وظيفتها الأساسية بناء الثقة وإعطاء الضمانات للجماعات، خصوصاً فيما يتعلق بهويتها وحرياتها الدينية والاجتماعية.

ثالثاً – تحييد لبنان عن صراعات المحاور الإقليمية.

أنا من الذين يقولون أن اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه، رغم نواقصه، ما زال يوفر إطاراً ملائماً لأحداث هذا الانتقال عن طريق:

1- إنشاء مجلس شيوخ منتخب على أساس طائفي ويتمتع بحق النظر في القضايا الكيانية والمصيرية والميثاقية والاستراتيجية.

2- الانتقال تدريجياً (وضمن مهمة زمنية مطمئنة)، إلى مجلس نواب منتخب خارج القيد الطائفي، يكون هو حجر الأساس في انبثاق السلطة وتداولها ومحاسبتها.

3- تحقيق الانتقال إلى لامركزية إدارية وإنمائية موسعة تعطي المناطق صلاحيات واسعة وفعالية واسعة في إدارة شؤونها الحياتية.

السابق
ما هي التطبيقات الجديدة التي استحدثها «فايسبوك»؟
التالي
أنقرة ردت باللغة التي يفهمها بوتين