أنقرة ردت باللغة التي يفهمها بوتين

جميع التوقعات كانت تتجه نحو امتناع كلا الطرفين التركي والروسي من إتخاذ المزيد من الخطوات التي من شأنها جر العلاقات بين الجانبين إلى حافة الهاوية وزج المنطقة والعالم في أتون مخاطر الحرب الفوضوية.

 
قبل وصول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بساعات قليلة في زيارته الرسمية إلى اسطنبول جاء خبر إسقاط الطائرة الروسية من قبل الدفاعات الجوية التركية عبر مصادر محلية ومصادر مقربة من المقاتلين التركمان في شمال اللاذقية، وللافت بأن وسائل الإعلام المرئية في تركيا قد وثقت الحادث عبر آلات التصوير بطريقة واضحة جدا.

 

الجيش التركي أعلن أن المقاتلة انتهكت المجال الجوي التركي عشر مرات خلال خمس دقائق وأسقطتها مقاتلتا “اف-16”. لكن روسيا تؤكد أن الطائرة كانت داخل المجال الجوي السوري، وقالت الرئاسة التركية إن “طائرة روسية من طراز سوخوي 24 أُسقطت طبقاً لقواعد الاشتباك بعدما حلّقت في المجال الجوي التركي على الرغم من التحذيرات”.

 
واعتبر مسؤول تركي، أن الحادثة “لم تكن إجراء ضدّ دولة بعينها ولكن خطوة للدفاع عن سيادة الأراضي التركية وفقاً لقواعد الاشتباك”.
يأتي هذا الحادث بعد تحذيرات وجهتها أنقرة لموسكو الاسبوع الماضي من أنها تملك كل الحق في الرد واتخاذ الاجراءات الضرورية اذا شعرت أن أمن حدودها مهدد، كنتيجة للعمليات العسكرية الروسية التي تستهدف المدنيين التركمان السوريين على الحدود التركية-السورية ولا سيما بعد الانتهاكات المتكررة للطائرات الحربية الروسية للأجواء التركية.وسط مخاوف من أزمة ديبلوماسية، و بناء على طلب أنقرة يعقد حلف شمال الاطلسي الناتو ، اجتماعاً استثنائياً لمناقشة التطوّرات الأخيرة.

 
في الحقيقة لا يمكن لأي دولة أن تعتبر اسقاط طائرة حربية تابعة لها من قبل دولة أخرى كحدث عادي، فعندما تم اسقاط طائرة حربية تركيا على البحر الأبيض المتوسط من قبل السورية في عام 2012 حيث كانت تتجه اصابع الاتهام إلى البوارج البحرية الروسية في إسقاط الطائرة ولو أن رد أنقرة كان متأخراً حين ذاك إلا أن قواعد الاشتباك الجوية والبرية قد تتغير بعد رد انقرة الأخير، فهي لن تتهاون في الرد بعد الأن على أي انتهاك لمجالها الجوي والبحري والبري من طرف الحدود السورية.

 
اللافت ردة الفعل القوية التي أظهرها الرئيس الروسي بوتين معتبراً إياها طعنة في الظهر وستخلف عواقب خطيرة على العلاقات بين البلدين، وأظهر وجه الأخر في اتهام تركيا بأنها متآمرة مع الارهابيين وهو الأمر الذي لن تتساهل معها موسكو ابداً، ولكن تدارك خروجه من السياق الدبلوماسي في تصريحاته حين عبر أن اسفه لان انقرة طلبت عقد اجتماع طارئ لحلف شمال الاطلسي الذي تنتمي اليه بدلا من بحث هذه المسالة مباشرة مع موسكو، مؤكداً على إقامة علاقات حسن جوار مع تركيا على الدوام مستغرباً من الذي سيستفيد من هذه الحادثة ونفى قطعياً أن تكون روسيا هي المستفيدة.

 
في الواقع منذ بدأ التدخل العسكري الروسي بسوريا، و تركيا توجه تحذيراتها المستمرة من القصف الجوي الذي لا يفرق بين تنظيم داعش وبين المدنيين السوريين، الشيء الذي جعل تركيا تبدي قلقها العميق من الضربات الروسية على مواقع المعارضة في سوريا، ولاسيما أن التحركات العسكرية الروسية في سوريا تمثل تصعيدا جديدا للصراع، ولطالما حذرت تركيا بأن هذا التدخل لن يسفر إلا في زيادة تأجيج التطرف.

 

القصف الجوي الذي تبناه الطيران الروسي، الشهر الماضي، في مدينة حلب لمساعدة قوات النظام السوري بالتقدم شمال سوريا قرب تركيا، جعل رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو يوجه تحذيراته من حدوث موجات جديدة من الهجرة من سوريا، زيادة عن تحذيراته الأخيرة من القصف الروسي على ريف اللاذقية ذات الغالبية التركمانية، موجها دعوته إلى روسيا بالالتزام بقصف داعش و الكف عن مهاجمة القرى التركمانية.

 
من دون شك أن تحذيرات أنقرة لموسكو لم تجدي نفعا، ما جعل تركيا و لأول مرة تقوم بتوفير غطاء جوي لكتائب الثوار في ريف حلب الشمالي، و الذي ساعد الثوار على تحرير قريتيْ حرجلة ودلَحة من تنظيم داعش في الأسبوع الماضي،ومن المحتم أن العلاقة بين تركيا وروسيا ستصبح أكثر توترا على خلفية حادث إسقاط الطائرة الروسية، ولا سيما أن أنقرة تعتقد أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يهدف بالأساس إلى منع إقامة منطقة أمنة عازلة طالبت بها مرارا، و ترى تركيا أن نشر صواريخ روسيا على الأراضي السورية يتجاوز محاربة داعش أو استهداف الفصائل المسلحة أو حتى حماية المنشآت الروسية التي أقيمت في سوريا، إلى منع إقامة منطقة أمنة عازلة قد تكون سببا في تضييق الخناق على نظام الأسد.

 
في النهاية أنقرة ردت باللغة التي يفهمها بوتين ولاسيما حين تدخلت روسيا عسكرياً في اوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم التي تربطها بتركية أواصل قربة تعود إلى ما قبل العهد العثماني بحجة الوضع الاستثنائي في أوكرانيا والتهديد الذي يطال حياة المواطنين الروس.

السابق
د. أنطوان حدّاد في ندوة «شؤون جنوبية» يحدد الاعطال في النظام اللبناني
التالي
الطيار الروسي «يُكذّب» الأتراك: لم يوجّهوا «أي تحذير» قبل إسقاط المقاتلة