ثلاث خطوات لمعالجة الارهاب الاسلامي

لم تكن أوروبا ولا أميركا، في أيام الحروب، أفضل حالاً من تنظيمات الاسلام السياسي. أمام أنظار التطرف الديني المعاصر، وفي جعبته التاريخية، عينات من الارهاب الغربي تعود جذورها إلى محاكم التفتيش القروسطية، فضلا عن عينات شرقية لا تقل هولاً ورعباً، تمتد من اغتيال الخلفاء ودفن الناس أحياء تحت رمال البصرة بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي، حتى الأسلحة الكيماوية التي استخدمها البعثان العراقي والسوري.
غير أن الغرب احتاج إلى حروب أهلية في القارتين وإلى حربين عالميتين ليحترم حق الاختلاف وليتأكد من أن الحروب لا تصنع السلام. حتى تلك الدروس المستفادة لم تكتب بالحبر إلا بعد أن سال دم وتهدمت مدن ودمرت بلدان، وقد استمر ذلك من أول الثورة الفرنسية حتى أربعينات القرن العشرين.
مهما قيل اليوم عن إرهاب غربي سببه الاستعمار، صريحاً أو مقنّعاً، فالإرهاب الراهن هو الذي يقترن بالتطرف الديني، ومصدره العالمان الاسلامي والعربي وتمارسه تنظيمات الاسلام السياسي، على المسرح العالمي في كل القارات. لذلك لا بد من حل دولي عربي اسلامي لهذه الظاهرة الخطيرة على سلام كل الشعوب وعلى تطور البشرية، من ثلاثة بنود:
الأول موقف دولي ينزع الذريعة المتعلقة بإسرائيل، الكيان العنصري الوحيد المتبقي على الكرة الأرضية، الذي تمارس الصهيونية على أرضه أبشع أنواع الارهاب ضد الشعب الفلسطيني، والذي يستظل به قادة الدول والأحزاب في العالمين العربي والاسلامي ويمارسون بحجته إرهابهم على شعوبهم وعلى شعوب العالم.
يتطلب ذلك من المجتمع الدولي وحكوماته ومؤسساته السياسية، ولا سيما مجلس الأمن والأمم المتحدة، اتخاذ قرار حاسم يلزم إسرائيل بحل يطفئ لهيب هذه القضية المشتعلة منذ قرن من الزمن، ويترجمه الغرب، أوروبا وأميركا، خروجاً صريحاً من تردده، ليدعم بحزم جهود التوصل إلى حل، مثلما سبق له أن قدم بحزم دعماً غير محدود لدولة اسرائيل وسياستها العدوانية.
الثاني تحقيق إصلاح في بنية السلطات السياسية ينقل بلدان العالم العربي من مرحلة الحكم الوراثي إلى رحاب الديمقراطية، التي لا تمثل صناديق الاقتراع سوى مرحلتها الأخيرة، بعد تمهيد طويل في نشر ثقافة جديدة حصيلتها المنطقية التأكيد على احترام حق الاختلاف وعلى كل حقوق الانسان المنشورة والمقرة في الشرعة وفي الاعلان العالمي.

التطرف لوحة

الاصلاح السياسي هذا يتطلب من الحكومات العربية والغربية التعامل بشكل مختلف مع حركات الاحتجاج الشعبية، التي انطلقت من تونس وعمت العالم العربي، ومساعدتها وتقديم الدعم لها لتكون ممراً إلزامياً لإنجاز الانتقال من أنظمة بلادنا الطاعنة في الاستبداد إلى أنظمة تعددية ترعى التنوع الديني والثقافي والاتني وتحميه، بعد أن حولته الأنظمة مادة للصراعات، وجعلته مادة للحروب الأهلية وخياراً وحيداً بديلاً من الاستبداد.
لا حذر الحكومات الغربية ولا رعب الحكومات العربية من التغيير يلغي حتمية الانتقال إلى الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص، وقيام الأنظمة الدستورية والمؤسسات واعتماد القوانين الوضعية، خصوصاً أن الكلفة المترتبة على رفض التغيير وعدم الاستجابة إلى ضرورته كانت تتزايد طرداً مع استخدام العنف ضده ومع تردد الغرب في مساندته ودعمه.
البند الثالث إصلاح ديني يضع حدا لفوضى الاستخدام المسيء للنصوص الدينية وتشويه وقائع التاريخ، وينظم نشاط العاملين في الحقل الديني، ويلزمهم بمعايير علمية وبالحصول على شهادات أكاديمية من المدارس الدينية أو العلمانية، ويمنع حالة الفلتان ويحصر المسؤولية بهيئات تكون مسؤولة أمام مؤسسات الدولة وخاضعة لقوانينها، ويفتح باب الاجتهاد لتعميم فهم عصري للدين ونصوصه، ولوقف العمل بما لا يتوافق مع الحضارة الحديثة أو مع المنجزات العلمية( تسترد الدولة مثلا حق تعيين أيام العيد والعطل الرسمية، وتعاقب الذين ينصبون أنفسهم دعاة أو إئمة أو أمراء دينين خارج اعتراف المؤسسة الدينية والأكاديمية)
مثل هذا الاصلاح الديني يفترض التزام الدولة بحماية حق المؤمنين في ممارسة شعائرهم وطقوسهم بكل حرية، على أن تلتزم المؤسسة الدينية، في المقابل، بممارسة نشاطها وإدارة شؤونها المالية بما لا يخالف أحكام القوانين المرعية، وإلحاق المحاكم الشرعية بالقضاء المدني.
تحقيق هذه البنود الثلاثة من شأنه إعادة الاعتبار لروح الربيع العربي، بما هو ثورة على الاستبداد ودعوة إلى الدخول في الحضارة الحديثة من باب الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

(المدن)

السابق
الاستقلال اليتيم والسيادة المفقودة!
التالي
الرأي العام في ذمة الله!