عن محمد قبيسي وآخرين.. متى تتراجع ثقافة الموت لتتقدم ثقافة الحياة؟

الشاب اللبناني سواء ابن الجنوب او البقاع اوالشمال، نراه يذهب نحو الموت بدافع من يأسه، ومن إعلام نخر رأسه بحبّ الشهادة والإستشهاد. ومن يحميّ نفسه بالعلم فاننا نراه يحزم أمتعته نحو أوروبا أوأميركا ليستفيدوا من إبداعه. فكيف نستنقذ أبنائنا إذن؟

مهما يكن من أمر إنتماء الدكتور محمد قبيسي الذي ضجّت به وسائل الإعلام العربية والأجنبية يبقى ابن هذا البلد، البلد الذي يعمل على خطين: الأول قتل شبابه على جبهتين متناقضتين، والثاني تهجير مُبدعيه. فالإعلام اللبناني يُظهر اليوم قصة الدكتور محمد قبيسي الذي سلطت قناة “ناسيونال جيوغرافيك” الضوء عليه، وهو رئيس قسم علوم الصرع في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية، بعد أن نال شهرة عالميةوتقديراً كبيراً إثر اكتشافه لمنطقة في الدماغ أطلق عليها اسم”مفتاح الوعي”.

إقرأ أيضاً: هاني فحص: أعتقد إن متُّ سيكرمني حزب الله بعد وفاتي كثيراً

وقد إعتُبر اكتشافه أحد أهم مئة إكتشاف في العام 2004 وهو العربيّ الوحيد من بين الأسماء المئة، وهو بالطبع عربي لبناني من الجنوب. والغريب انه الى الآن لم تبادر السلطات اللبنانية المعنيّة بشؤون الإغتراب، او بالشؤون الطبيّة، او بالشؤون الثقافية، الى أيّ تعليق او بيان او خبر ربما يبحثون في ملفاته المدرسيّة عن إنتمائه السياسي.

وسبب اهتمام قناة “ناسيونال جيوغرافيك” التي يتابعها كثير من الشباب اللبناني هو نيّتها بث حلقة خاصة بالدكتور قبيسي حيث عرضت حلقة تحمل عنوان “فك شيفرة العقل” يتحدث فيها قبيسي عن إكتشافه الطبيّ وأبحاثه التي قد تساعد في علاج أمراض الصرع وألزهايمر. ولو كانت المسألة “فك شيفرة” فنانة متعرّية او زعيم سياسي ما، لكان استحق التعليق على صفحات وسائل التواصل الإجتماعي ربما أكثر بكثير، ومما نحلُم!!

فبالعودة الى الوراء قليلا، كنا قبل شهور قد أعلمنا بفوز صوفيا محمد فرحات، بالمرتبة الأولى عالميًا عن الجائزة التي تنظمها البعثة العلمانية الفرنسية لمتسابقين من كل العالم.

 

وصوفيا جنوبية من بلدة جرجوع في قضاء النبطية وصلت الى العالمية عن مسابقة القصة القصيرة، وحصلت على الجائزة عام 2012 وعلى منحة فرنسية نتيجة تفوقها وهي الآن في جامعة السوربون تدرس العلوم السياسية والتاريخ معا. علما ان أحدا لم يكرّم صوفيا في لبنان حتى الآن.

وبالتوازي فازت أيضا دايان أحمد درويش بالمرتبة الأولى عالميّا عن مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها “البعثة العلمانية الفرنسية” لمتسابقي مدارسها في كل العالم، عن جملة للشاعر الفرنسي شارل بودلير. ودايان درويش ابنة سبعة عشر عامًا فقط، وهي رغم انها تلميذة إحدى المدارس الفرنسية لكنها ثابرت في سبيل صقل لغتها العربية الأم وشاركت في هذه المسابقة وحازت المرتبة الأولى.

ونحن ان حاولنا تعداد المبرّزين والمتفوقين والعلماء الآتين من لبنان، فلن نجد مجالا هنا لذلك، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن للإعلام المتخصص بالشأن الجنوبيّ المناطقي أولا، والإعلام اللبناني العام ان يوّجه أضواءه نحو الإبداع اللبناني والجنوبي بالذات، وان يبعُد عن تغطية الحروب والأزمات والدمار والقتل والنزاع والإنفجارات مع الإبتعاد عن تغطية أخبارالتشييع والإفتخار بالموت؟.

فقد نشأ جيل لا يعي من لبنان سوى صور الجنازات والشهداء – مع احترامنا لكل من يقاتل في سبيل الوطن- فلم يعرف من لبنان سوى صورة عملاقة على مفترق طريق او في ساحة الضيعة مع أقوال وشهادات وأحاديث تريدك أن تأخذ تاكسي سريع الى ماوراء الحياة..

فقبل هؤلاء هناك كثيرون وكثيرات من الجنوب، ومن كل لبنان يبرزون في الخارج في دول تفسح لهم المجال للإبداع في حين ان من بقي هنا صامدا يتدّرب ليس على الإبداع والإنتاج والتميّز، بل على الإستزلام والموت في سبيل بضعة مئات من الدولارات، والقتل والحقد والموت والكراهية. هل يحق لنا السؤال عن الهدف من ذلك؟ وهل يحق لنا الخوف على مستقبل بلد وطائفة ومنطقة وجهة تستنزف نفسها بنفسها؟

إقرأ أيضاً: كتاب رغدة النحاس عن الشيخ عارف الزين: جاذبية «الزمن الجميل»

إذن، فلنفرح أن ثمة دول تهتم بأبنائنا أبناء الحياة لا الموت ، لكنها تأخذ منهم ما تعطيهم إياه لأجل تقدّمها وازدهارها وتفوّقها التقنيّ والطبيّ والعلميّ. كأننا بذلك نعيد استعباد أنفسنا من جديد. فأي معادلة رخيصة تجرونا إليها يا سياسييّ لبنان؟

السابق
المسيرة الوطنية جابت شوارع فرن الشباك وعين الرمانة
التالي
الكويتي اللبناني أسامة خياط.. نجم إرهابي جديد