جريمة تتطلّب استفاقة وطنيّة

الجريمة الإرهابية المروعة التي طالت منطقة برج البراجنة تتطلب منا جميعاً استفاقة حقيقية، فالموت يدق أبواب بيوت الآمنين، فيما المنطقة من حولنا تشتعل من أقصاها إلى أقصاها. الموت يدق أبواب بيوت اللبنانيّين ويذكرهم بأن الموت الذي يحوم فوق سوريا والعراق واليمن ليس بعيداً عنهم، وأن لبنان يتم زجه بشكل منهجي في الآتون الاقليمي، بما ينذر أهله، ليس في برج البراجنة فحسب، بل في كل بقعة من بقاعه بمزيد من الحديد والنار.

الجريمة الارهابية أصابت كل لبناني في الصميم، وشكلت جرس إنذار حقيقياً لكي يستفيق القادة من أحلام اليقظة. وعندما نقول إن الاستفاقة مطلوبة فإننا نوجه كلامنا هذا للجميع من دون استثناء. فكما لا يستحيل إيجاد مبررات أو أعذار لما حصل، نرى أن ما حصل على هوله يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لبث شيء من العقلنة والتعقّل في الساحة السياسية اللبنانية. وأول ما يفترض أن تؤسس له هكذا جريمة عودة التواضع إلى نفوس الكثيرين، ولا سيما ممن يتوهّمون أنه يمكن بناء قلاع مُحكمة غير قابلة للاختراق بالقوة وحدها، من دون إقامة أي اعتبار للأخطار التي يتم دفع لبنان نحوها دفعاً. فكما أنه يستحيل تبرير الجريمة أو إيجاد مبررات لها، فإنه من الجنون رفض قراءة المشهد بمنطق وعقلانية، على قاعدة التفكير في لبنان أولاً قبل أي شيء آخر.

اقرأ أيضًا: برج البراجنة: منطقة سنية شيعية فلسطينية.. والقاتل قتل منهم جميعاً
نقول هذا مدفوعين بإحساس الخطر الداهم الذي ضرب بالأمس منطقة عزيزة على قلوبنا، وربما يضرب غداً منطقة عزيزة أخرى في لبنان. هذا الواقع المؤلم ينبغي أن يشكل مناسبة لجلوس الجميع معاً للتفكير معاً بما يمكن أن يحمي لبنان مع اقتراب لهيب الاقليم منه. ففي زمن الجنون الضارب في كل مكان من الاقليم، ألا يمكن للبنانيين الذين سبق أن اكتووا بنار الحروب الاهلية، وحروب الآخرين على أرضهم أن يحكّموا العقل ومصلحة بلادهم قبل الأدوار والوظائف والاستتباع للخارج، فيتصارحوا بقلوب منفتحة ومفتوحة من غير التمسّك بالمواقف المسبقة مهما كانت.
مطلوب من اللبنانيين، وبالأخص من قادتهم ألاّ تزيدهم جريمة برج البراجنة جنوناً في كل اتجاه، بل أن يدفعهم الى إجراء مراجعات جدية وعميقة في الخيارات التي تمترسوا خلفها من دون إقامة أي اعتبار لأبناء بلدهم.
إن الأمم الكبرى عندما تتعرض لاختبارات كبرى ومؤلمة، لا تدفن الرؤوس في الرمال، ولا تتمترس خلف العصبيات المجنونة، ولا تلتفت الى أصوات الحقن المخيفة. الأمم الكبرى في العالم تعيد قراءة المواقف، تجري مراجعات، تمارس نقداً ذاتياً، تطرح المسائل والاشكاليات الحقيقية على صعوبتها لتخرج بما يشكل عصب الأمم الأساس: التوافق الوطني العريض.
إعلموا أيها اللبنانيون أننا إن لم نخرج بتوافقات وطنية عريضة حول قضايانا وخياراتنا الكبرى فإن جريمة برج البراجنة على هولها لن تكون الأخيرة أكان في الضاحية أو طرابلس أو بيروت أو اي بقعة من بقاع لبنان. فلنعد الى العقل.

(النهار)

السابق
تفجير برج البراجنة: التحقيقات انطلقت ومواجهة جديدة مع الإرهاب
التالي
روحاني ندد باعتداءات فرنسا وأرجأ زيارته لاوروبا