باريس.. وفواتير الدم السوري

الرهائن
هذه هي بضاعتكم ، وقد رُدّت اليكم ! والسؤال الذي يطرح نفسه : مَن التالي ؟ ومَن سيدفع أيضاً ، ثمن السكوت عن سفك الدم السوري ، قبل ان تبدأ الحملات الدولية المسعورة لمكافحة ” الإرهاب ” ؟

سياسة المجتمع الدولي التي تساهلت مع إجرام النظام الأسدي في سوريا ، وتقاعست عن نجدة الشعب السوري المذبوح ، ولم تستجب لنداءات الإستغاثة بضرورة تسليح الجيش السوري الحرّ ، لحقن دماء السوريين وتقصير عمر مأساتهم ، كل ذلك ساهم في إطالة عمر الأزمة السورية ، وفي تغذية روح التشدد والتعصّب والغضب على هذا المجتمع الدولي الذي وقف متفرَجاً على تدمير سوريا حجراً حجراً ، وإغتيال تاريخها وحضارتها الموغلة في القِدم ، معلماً معلماً ، وعلى ذبح أبنائها وإذلالهم فرادى وجماعات ، وتهجيرهم الى مخيمات الذلّ والعار والهوان والبرد والجوع ، رغبةً من هذا المجتمع ، في إدامة الصراع الدموي ، لتحقيق أجندات القوى العظمى .
وهذا الترْك للشعب السوري يُنحر وحيداً ، بينما الجميع يجلس متفرَجاً ، ساعد في شيوع أساليب العنف والقتل المجَاني ؛ وفي إيجاد حواضن شعبية للخطاب المتشدد الرافض للغرب الذي لطالما رفع شعاراتٍ برّاقة تمجَد الحرية والعدالة والديمقراطية ، ثم جاءت الثورة السورية ، لتظهر زيف وكذب ودجل كل هذه الشعارات والإدعاءات الفارغة .
هذه السياسة الدولية التي بدت متواطئة مع النظام السوري الوالغ في سفك دماء شعبه ، أسقطت ورقة التين الأخيرة عن عورات وسوءات ونفاق المجتمع الدولي المتبجَح بتقديس حياة الانسان وحماية حقوقه ، وفضحت وعرّت إنحطاطه الأخلاقي وسقوطه القيمي الذي ضخّ الأوكسجين في رئتي النظام ، كي يستمرّ في عنفه وتوّحشه وبربريته ( الإعتقال غير المبرر ، إقتلاع الحناجر ، قتل الاطفال ، الضرب والتعذيب حتى الموت ، الإغتصاب ، التمثيل بجثث الضحايا ، إلقاء البراميل المتفجّرة على المباني والأحياء المأهولة … ) بينما هي اكتفت بإصدار البيانات الشاحبة والتصريحات الإعلامية المستنكرة على خجلٍ وحياءٍ ، للمجازر اليومية ، والتي فُسرّت على أنها ضوءّ أخضر أُعطي للنظام ، كي يستمر في حربه الإلغائية والهمجيّة على الشعب السوري .
وقد كان من الطبيعي أن تقوم الجماعات العنفيّة ، بإستغلال تردّد دول الغرب في التدخّل بشكلٍ أكثر جديّةً وفاعليةً ، لإغلاق جُرح الشعب السوري ، ولوقف إجرام النظام وتعطيل آلةِ قتْله ، عبر عزله وإسقاطه ، كي تتقاطر الى سوريا ، وتجد مشروعيةً لجهادها ومبرراتٍ لممارستها العنف بأبشع صوره وأشكاله . أضف الى ذلك ، عدول الرئيس الأمريكي “باراك أوباما ” في اللحظة الأخيرة – بعد تحقيقه غايات بلاده ومصالح اسرائيل – عن توجيه ضربةٍ موجعة او قاصمة لقوات الأسد ، وسط إتهاماتٍ لها بإرتكاب مجازر مروّعة بالأسلحة الكيميائية ، بحق المدنيين .
وهكذا ، فقد كان من نتائج سكوت المجتمع الدولي المتعمّد عن ” المقتلة ” السورية ، تثبيت نظام الأسد وتعويمه وتقويته وإطلاق يده في إبادة الأبرياء من شعبه الأعزل ، وتدفَق المزيد من المتشددين من أوروبا ومن كل أصقاع الدنيا ، الى الأراضي السورية ، والغاضبين من سياسات ومؤامرات الغرب الذي هادن العصابة الحاكمة في سوريا ، وأمَن لها هامشاً زمنياً إضافياً كي تفتك بالمعارضين ، وأطلق يد إيران الفارسية الشيعية كي تفتك عبر ميليشياتها ، بالأغلبية السُنية ، وتُحكم قبضتها على سوريا العربية ، وبداية الحديث عن إعادة رسم خريطة المنطقة ، وتفتيت سوريا الى كانتونات طائفية . تتقاسم القوى العظمى ، السيطرة والنفوذ عليها ، تأميناً لمطماعها ومصالحها الحيوية .
كل هذا العنف والعنف المضاد ، وعسكرة الثورة الشعبية وتطييفها ومذهبة الصراع والظاهرة الوحشية التي تعيشها سوريا منذ أربع سنوات ، سهّلت ” عولمة ” العنف والإرهاب ، وتسرّبه عبر الحدود . وها هو يضرب باريس إحدى أبرز عواصم القارة الأوروبية ، التي صمتت ووقفت تتفرّج على التدمير الممنهج لسوريا، وعلى إرتكاب المذابح الجماعية بحقّ شعبٍ ، كل ذنبه انه انتفض بشكلٍ سلميّ على جلّاده ، مطالباً بالحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة .
هذه هي بضاعتكم ، وقد رُدّت اليكم ! والسؤال الذي يطرح نفسه : مَن التالي ؟ ومَن سيدفع أيضاً ، ثمن السكوت عن سفك الدم السوري ، قبل ان تبدأ الحملات الدولية المسعورة لمكافحة ” الإرهاب ” ؟

السابق
باريس .. وفواتير الدم السوري
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم السبت في 14 تشرين الثاني 2015