أرجوكم اصمتوا

عندما يسقط الأبرياء في الشوارع، عندما يدور الأهالي للبحث عن أبنائهم بين الجثث في المستشفيات، عندما ترتجف أصوات الأمهات على الهواتف، عندما يتصل بك الأحباء ليطمئنوا إلى أنك ما زلت على قيد الحياة، عندما يتألم الجرحى في الطرق أو على الأرصفة، لا تتحدثوا على شاشات التلفزيون وتحلِّلوا وتناقشوا، لا تخبرونا عن «الشرق الأوسط الكبير»، وعن الوثائق السرية، وعن المعلومات الخاصة. لا تقولوا لنا شيئاً أيها السياسيّون والمحلّلون السياسيّون، لا تندِّدوا، ولا تتأسفوا فوق جثثنا، لا تخبرونا شيئاً. أرجوكم اصمتوا.
عندما يفجِّر أحدهم نفسه بنا، لنصبح «حصيلة» أو «ما يقارب 41 شهيدا» أو نحو «38 شهيدا و249 جريحا»، عندما نبكي في الطرق، عندما ترتجف أجسادنا من شدّة الخوف والقلق، عندما تمرّ حياتنا، أمام أعيننا، كلحظة لا معنى لها، لا تقولوا لنا شيئاً حينها، لا تتناقلوا أطراف الحديث أمام أعيننا، لا تبحثوا عن عبارات رنانة: «يد الإرهاب»، «المخطط الكبير»، لا نفهم، في تلك اللحظة، ما تقولون. ما زالت الأمهات يبحثن عن أبنائهن بين الجثث، بينما كن يحضِّرن لهم العشاء وينتظرنهم على الأبواب. فلا داعي لتستنكروا، أو لتهتفوا، أو لتقدموا واجب العزاء على الشاشات. أرجوكم اصمتوا.
عندما يرى الأطفال أشلاء الجثث في الشوارع، عندما نفقد معنى الحياة والذكريات والمستقبل، عندما نؤجل جميع مشاريعنا، ونشكر الله على أننا ما زلنا سالمين، ولم نفقد أحد أصابعنا، أو أطرافنا، وما زلنا على قيد الحياة، نحن وعائلاتنا، حينئذ لا تظهروا لنا أنكم تعرفون الكثير وأن لديكم معلومات خطيرة، وأنكم تحللون التاريخ والمستقبل، وأنكم تدركون ما يخططونه لنا، أنتم الذين لا تعرفوننا. لا تعرفون أننا كنا في الشارع، عائدين إلى بيوتنا بعد نهار متعب، كنّا نبحث عن فرصة عمل، كنا ننتظر ناطور البناية لنشتري المياه، وكنا نرغب في أن تضيء الكهرباء بيوتنا. لا تعرفون أننا كنا نرغب في أن نشتري الهدايا، ونزور الأقارب في العطلة الأسبوعية وننوي أن نشوي اللحم في اليوم التالي، وأننا ننتظر الشتاء لنمد السجاد، ولنلتحف بجانب المدفئة، ونأكل ونتحدث ونغفو وننام. كنا سنحلم في أيام أكثر سعادة، وفي أن نهاجر، ربما، من هذه البلاد.
عندما يسقط الأبرياء شهداء على الأرض عند مغيب الشمس، عندما تفقد العائلات أحبابها فتسودّ الحياة، ويهيم ليل الموت، لا تتكلموا، لا تدلوا بأي تصريح، لا تُرُونا ربطات أعناقكم وألوانها، لا تنمنموا عباراتكم، لا تُعلُوا أصواتكم خلف الشاشات، لا تخبرونا شيئا، أرجوكم اصمتوا.
اجتمعوا، اتصلوا، اتخذوا أي قرار، ابحثوا عن أي جهاز أو آلة، أو فئة دم لتحمونا، نحن الذين ما زلنا على قيد الحياة، نحن الذين ما زلنا نرغب في الحياة، ما زالت أمهاتنا ينتظرننا على الأبواب، ولا نريد أن نسمع أصواتهن وهي ترتجف، ما زلنا نرغب في أن نكتب الشعر عند مغيب الشمس، وفي أن نشوي الكستناء حين تهطل السماء مطراً وحبّاً، وفي أن نكبر، ونتزوّج وننجب الأطفال، وفي أن نسافر، وفي أن نقرأ ونشتري كتبا قديمة، وفي أن نتحدث مع سائق التاكسي أو الفان، وفي أن نمضي ونعود إلى بيوتنا، سالمين، آمنين، من دون أن ترتجف أجسادنا وأرواحنا، من دون أن نفقد أطرافنا، من دون أن نتألم وتصرخ آلامنا، نحن الذين ما زلنا نريد أن نحيا بسلام… فأرجوكم اصمتوا.

السفير

السابق
قيادة الجيش تدعو كل من يتعرف على هؤلاء الى ابلاغها
التالي
اخلاء محطة في مطار غاتويك بلندن بعد الاشتباه برزمة