فيديو «داعشي» يستهدف «دار الفتوى» و«هيئة العلماء»… لبنان على خريطة الصراع؟

إنه فيديو، غير مثبت الهوية والمصدر لكنه يحمل بصمات تنظيم “الدولة الاسلامية” الارهابي، نشرَ في 8 تشرين الثاني على موقع “Archive.org”، في حساب “Qadmoun” الذي يحوي على عشرات الفيديوات “الداعشية” وتم تناقله عبر “واتس آب” و”يوتيوب”. الفيديو الذي أخرجته “مؤسسة الصمود للانتاج الاعلامي” عنوانه “صحوات لبنان تجار الدماء”، مدته 38 دقيقة و10 ثوان وتم توقيعه براية للتنظيم أعلى الفيديو يساراً.

تعمدنا عدم نشر الفيديو كي لا نساهم في انتشاره، لما يحوي من “بروباغندا اعلامية” تستهدف الاعتدال السني في لبنان والمؤسسة العسكرية، اضافة إلى أنه رسالة تهدف إلى تحضير حاضنة شعبية لهذا التنظيم عبر استهداف ابرز جهتين سنيتين دينيتين في الساحة هما “دار الفتوى” و”هيئة العلماء المسلمين”.
مشايخ “هيئة العلماء” منشغلون بالفيديو، فهم اطلعوا عليه صباح اليوم وفحواه بسط “هواجس الاستهدافات والتصفيات”، خصوصا أن الفيديو يحمل الكثير من المعاني لناحية توقيته، فهو يأتي بعد تقدم “داعش” في حمص ووصوله الى مشارف #صدد المسيحية والتي يمكن الوصول بعدها إلى قارة القريبة من الحدود اللبنانية، ويأتي بعد تفجير استهدف “هيئة علماء القلمون” في عرسال وآخر طال الجيش اللبناني. وبدا من اللافت تأجيل مفتي الجمهورية دريان مواعيده أمس “لأسباب طارئة”.
تحاول “الهيئة” ألا تتسرع في الحكم، فهي تنشغل اليوم في التأكد من صحة المصدر تقنياً وبعدها تحدد الموقف الرسمي منه، لأن كما يبدو أنه في حال ثبت ان المصدر “داعشي” فهذا يعني أن لبنان بات على خريطة الصراع وهو مؤشر بالغ الخطورة بالنسبة لمتابعي التطورات في سوريا والعراق والمتزامنة مع الأوضاع الهشة في لبنان.

 

“الهيئة”: نخشى الاستهدافات
عضو “الهيئة” الشيخ نبيل رحيم الذي استهدف أيضاً في الفيديو بعرض أحد مواقفه من دار الفتوى، يقول لـ”النهار”: “من الواضح أن الجهة التي أنتجت الفيديو متعاطفة أو متأثرة بتنظيم داعش والقصد منه التهجم على دار الفتوى وهيئة العلماء المسلمين، خصوصاً بعض المشايخ الذين لهم جمهور أو حيثيات معيّنة لهزيمتهم”.
الأهم من ذلك، أن رحيم نقل لـ”النهار” خشية بعض علماء “الهيئة” من “أن يكون هناك هدف ما خلف الفيديو كاستهدافات معينة، وإذا بقيَ في إطار الكلام والتحذير فلا بأس أما إذا تجاوز ذلك فهنا المشكلة”.
لا يستطيع رحيم أن يؤكد الرابط بين الفيديو وتفجير عرسال، ويقول: “نترك الأمر للأجهزة الأمنية وتحقيقاتها وتحديد الجهة المنفذة وصانعة الفيديو”. لم تجتمع “الهيئة” إلى الآن لكن الاتصالات شملت الجميع، وكان الخوف الاكبر من “استهدافات معينة، خصوصا أن بعض المشايخ كالشيخ سالم الرافعي وصلتهم تهديدات من متأثرين بـ”داعش” ، وفي النهاية تبقى جدية الفيديو في عهدة الأجهزة الأمنية”.
ولا يخفي أن هناك فرضية تضع الفيديو في اطار “المفبرك” لكن ذلك لا ينفي امكانية جديته، ولمس رحيم غياب الاستهداف لـ”حزب الله وكل المشايخ الذين لديهم مواقف ايجابية من النظام السوري، لهذا لا نعرف هدف الفيديو ورسالته ولا نستبعد أن يكون مفبركاً”.

هل يستطيع “داعش” النجاح في ايجاد أرضية خصبة له في لبنان؟ يجيب رحيم: “استبعد جداً حصول ذلك، فلا قدرة وإمكانية له على ذلك وكل من يثبت انه على ارتباط به نسمع من القى الأمنية أنه تم توقيفه”.

 

تحليل المضمون
في القراءة التحليلية للفيديو، فإنه استهدف الدار ومفتيه والهيئة وعلماءها وشمل معهم الجيش اللبناني وشخص الرئيس ميشال سليمان، وعرض صور وفيديوات لأبرز القيادات السنية في البلد، كالرئيس تمام سلام والرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، والوزيرين نهاد المشنوق وأشرف ريفي، وأفرد لعرسال وسجن رومية مساحة خاصة.

أظهر مضمون المشاهد والتسجيلات حجم الاعداد والجهد لانتاج الفيديو، خصوصا لناحية المواد الارشيفية والحبكة، لكنه لا يحمل الصبغة الهولوودية التي اعتدنا عليها في اصدارات التنظيم الرسمية، فهو اعتمد على مواد من وسائل الاعلام اللبنانية وفيديوات مصوّرة بالهواتف، بعكس الاصدارات التي يتم تصويرها بجودة عالية واخراج ضخم.
وكان ملاحظاً غياب أي اشارة إلى معركة عبرا، أو انتقاد للشيخ أحمد الأسير أو تنويه به أو لشادي المولوي أو للشيخ محمد حبلص، ولا إلى تفجيرات طالت لبنان، فضلاً عن غياب أي انتقاد لكامل محور الممانعة وتحديداً “حزب الله” الذي اقتصر وجوده في الفيلم على صورة خاطفة للأمين العام السيد حسن نصر الله. كما أن الفيديو لم يتطرق إلى قضية العسكريين ولم يستخدم فيديوات خاصة لهم أو بعمليات اعدامهم ولا عن الوجود الداعشي في جرود القاع.

اقرأ ايضًا: هكذا خططت «داعش» لذبح الوزير نهاد المشنوق!
“دار الفتوى” ودريان
الجزء الأول من الفيديو يستهدف “دار الفتوى” وشخص المفتي دريان وتم وضع انتخابه في اطار “مشروع استهداف السنة ومكافحة #الارهاب ونهب أموال المسلمين”، وتضمن اطلالة للوزير نهاد المشنوق والرئيس سعد الحريري، الأول يثني على شجاعة دريان والثاني يرفض التكفير والتطرف.

العدناني والبغدادي
بعدها، يطلّ “أبي حمزة المهاجر” (هو النائب الأول لأبي عمر البغدادي وأكد التنظيم مقتله) بتسجيل صوتي وتظهر صورة صغيرة له أسفل الشاشة، ينتقدُ فيها مطالبة العلماء السنة بـ”تعيين حكام صليبيين حاقدين”، والتصويب على دريان الذي دعا في إحدى المناسبات إلى انتخاب رئيس جمهورية وخطاب آخر للرئيس سلام يدعو فيه إلى انتخاب رئيس، لتبدأ رحلة الحقد على الرئيس ميشال سليمان بالتذكير بمعركة نهر البارد واستقبال مفتي طرابلس والشمال محمد الشعار له، وفي تسجيل صوتي يقول المهاجر: “أول العلماء هم هدف العدو الأول، فسعوا إلى تكميم أفواه الصادقين منهم بهدف الوقوف ضد الأمة… لن يقبل الصليب واليهود بأقل مما قام به قطبا الاخوان المسلمين في قطر ولبنان…”.
ويقول أبو عمر البغدادي الامير السابق للتنظيم، في تسجيل: “تلك الوطنية الخبيثة الوثنية بأبشع صورها التي جعلت المسلم السني في لبنان يقبل بدستور ينص على أن يكون رئيس دولته نصرانياً مارونياً …”.

 

الهيئة “العملية”
عند الدقيقة 12:37 من الفيديو انتقل الاستهداف إلى “هيئة العلماء المسلمين”، وبالبداية مع هذه الكلمات: “بعد أن كشفت حقيقة دار الفتوى في لبنان وعدم ثقة أبناء الطائفة السنية بشرعيتها وتخوف الحكومة من انتقال المعركة السورية إلى لبنان ظهرت هيئة العلماء المسلمين بهيئة جديدة إلى أن بانت عمالتها للحكومة اللبنانية”، متحدثاً عن علاقة بين الهيئة ودار الفتوى، وعرض اطلالات سابقة لاعضاء الهيئة كالشيخ رحيم خلال حديثه عن تقارب وتنسيق مع دار الفتوى والشيخ أبو بكر الذهبي الذي أكد في اطلالة تلفزيونية أن الهيئة تعتبر أن “دريان ولي امر المسلمين وله علينا حق الطاعة”.
محرقة عرسال والصحوات
وصف الفيديو الهيئة بـ”الصحوات”، واظهر لقاءهم مع سلام وميقاتي والمشنوق وريفي، ايضا لقاء جمعهم بالنائب وليد جنبلاط، وفي رأي صانع الفيديو فإن “مهمة الهيئة والدار هي: الحفاظ على السلم الأهلي والعيش المشترك، وحدة الجيش اللبناني، حماية الحدود اللبنانية من التطرف الاسلامي، تخدير المسلمين عن الجهاد المفروض، شرعنة الانتخابات الشركية والدخول في مؤسسات عسكرية”.

بعدها اطلالة للشيخ عدنان أمامة يعبّر فيها عن دعمه للجيش والأمين العام لدار الفتوى محمد إمام ومفتي عكار زيد زكريا، تليها صور قتلى وجرحى اتهم فيها الفيديو الجيش بالمسؤولية. لينتقل إلى معركة عرسال في جزء عنونه بـ”محرقة عرسال بتفويض من الهيئة”، حاول فيها أن يشير إلى أن “الهيئة” تدخلت “لحماية الحدود اللبنانية تحت شعارات كاذبة لعدم جر أهل السنة إلى معركة مع الجيش”. تبعتها تسجيلات تظهر الشيخ حسام الغالي يتلو ينود الاتفاق، محاولين اظهار عدم التزام الجيش بها.

 

سجن رومية وصورة نصر الله
الجزء الاخير تحدث عن سجن رومية والتعذيب، بعرض الفيديوات الشهيرة التي أظهرت تعذيب سجناء اسلاميين على يد القوى الأمنية منهم الشيخ عمر الأطرش، وعند الدقيقة 30 و50 ثانية ظهرت للمرة الأولى صورة خاطفة وصغيرة للسيد نصر الله. وبعدها تسجيل “صوت وصورة” لأحد الاشخاص ينقل رسالة من “أسرى رومية إلى أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي”.
الدقيقتان الأخيرتان كانتا للعدناني يقول فيهما “يا أسود الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالا وبغداد والجنوب واصلوا زحفكم وأعيدوا رسم الخريطة فأصبحتم أمل المستضعفين والأسرى ينتظرونكم في بغداد ورومية وحلب وحائر وأبو زعبل، ولكم موعد في بغداد ودمشق والقدس ومكة والمدينة ودابق والغوطة وروما… سيادة العالم للمسلمين وبحد السيف”. ونهاية الفيديو مع ابو بكر البغدادي ودعوته إلى “الاحتكام إلى الشريعة وتوحيد الأمة وهدم سايكس بيكو”.

 

صناعة سورية – لبنانية
مصادر متابعة لا تخفي “احتمال أن يكون صانع الفيديو مرتبط بداعش لكنه ليس اصدارا رسمياً”، مؤكدة أنه “في حال ثبت أن داعش خلف الفيديو فذلك من شأنه أن يزيد الهيئة اصراراً على الاعتدال”.

و لوحظ “التغاضي شبه الكامل عن أحداث عبرا، اضافة إلى غياب أي استهداف لكل محور طهران – الضاحية والصورة التي مرت لنصرالله أتت في اطار مونتاجي وليس في السيناريو”، بحسب المصادر التي تبرر التغاضي عن الحزب بطريقة “التفكير الداعشي الذي يهتم بالضرب النوعي والعمل على تنظيف الداخل قبل الانتقال إلى الخارج”.

 

وإذا ثبت أن “داعش” وراء الفيديو، فإن “ذلك يعني أن التنظيم يريد استهداف وتحطيم الحواجز السنية بينه وبين لبنان”، واعتبرت أن “الطرف الذي أصدر الفيديو لا يمتلك حتى جزءا بسيطاً مما قدمته الهيئة من دم وجهد”، وعلى الرغم من ذلك، ترجح أن “يكون الانتاج غير رسمي، بل ربما نابعاً عن متعاطفين مع لبنان، ولا نتحدث عن فرضية الطرف الآخر، لكن مستوى الانتاج الفني منخفض وهو مستوى ومحلي”.
وبرأي المصادر أنه “في حال ثبت أن داعش وراء الفيديو رسمياً ، فيعني أن التنظيم يدشن مرحلة جديدة لادخال لبنان جديا ضمن خريطة الصراع”، لكنها تعتبر أن “انجاح الفكرة ضعيف بسبب طبيعة المجتمع اللبناني وليس تعدد الطوائف ومثالاً يختلف “داعش” العراق عن سوريا، فهناك التنظيم أقل حدة بفضل التكوين المجتمعي السوري”.

(النهار)

السابق
عبد الكريم الإرياني إمّا تحبّه وإمّا تكرهه
التالي
قوى الامن : توقيف 81 مطلوباً بجرائم مختلفة