لبنان «الساحة» حاجة للسعودية وإيران

ماذا يجري في لبنان فعلياً؟ توزّعت الوزارات والادارات والمؤسسات العامة على الطوائف والمذاهب وعلى الفاعلين داخلها. والأجهزة الأمنية والعسكرية الفاعلة، صار كل منها محسوباً في نظر الناس على طائفة أو مذهب أو حزب. وعلى المستوى الوطني هناك فراغ في رئاسة الجمهورية وحكومة مُعطَّلة ومجلس نيابي أقفله التعطيل المُتعمَّد ومنعه من ممارسة واجباته.
لماذا هذا التعطيل؟ وهل هو مقصود؟ ومن هم ممارسوه؟ وهل من أهدافه إثارة نقمة “الشعوب” وخصوصاً بعد مسّ مصالحها الحياتية ودفع الجيش إلى “إنقاذ” البلاد من وضعها المأسوي؟

طبعاً لا أجوبة دقيقة عن هذه الاسئلة وعن أخرى غيرها. لكن متابعة الأوضاع منذ سنوات وسنوات يمكن أن تعطي أجوبة انطلاقاً من تحليلات ومعطيات ومعلومات.
فإبقاء الفراغ في رئاسة الدولة مثلاً سببه عدم امتلاك الفريقين اللبنانيين الأساسيين 8 و14 آذار الأكثرية اللازمة قانوناً لانعقاد جلسة الانتخاب لانتخاب رئيس. دفع ذلك 8 آذار إلى عدم السماح بجلسة انتخابية رئاسية لتأكّده ان مرشحه الرسمي وليس الفعلي وهو العماد ميشال عون لن ينتخب رئيساً. ودفع ذلك أيضاً 14 آذار إلى التمسّك برفض عون رغم تلويحه بالتخلّي عن مرشحه الدكتور سمير جعجع لمصلحة رئيس توافقي. وسبب إبقاء الفراغ أيضاً الصراع الكبير بين السعودية وإيران ولا سيما في سوريا والعراق واليمن والدول العربية في الخليج. ولبنان ساحة رئيسية له لأن “حزب الله” صانع مجد إيران بدحره إسرائيل مرتين (2000 و2006) وقائد 8 آذار هو الأقوى فيه بسبب جيشه الكبير وعتاده المتنوّع الحديث، وبسبب تدخّله في الدول المذكورة أعلاه إلى جانب حلفاء طهران، بل بسبب تحوّله قوة اقليمية مهمة. ولبنان ساحة رئيسية له أيضاً لأن للسعودية نفوذا مهمّاً فيه بواسطة شعبه “السنّي” وغالبية “شعبه” الدرزي ونصف شعبه المسيحي (الشيعة هم “شعب” “حزب الله”).

اقرأ أيضًا: تشريع الضرورة للإطاحة بالسرية المصرفية في لبنان؟

ولأن بعض هؤلاء منخرط أيضاً “على قدّه” طبعاً في الحرب السورية وصار مصيره مرتبطاً بمصيرها. وما لم تتحاور الدولتان الاقليميتان المذكورتان وتصلان إلى تفاهم برعاية دولية أو لتسوية جزئية في سوريا لمنع انزلاق لبنان إلى الحرب الأهلية وتسمح بانتخاب رئيس جمهورية فإن الحرب غير العسكرية فيه ستستمر مع خضّات أمنية، وستبقى سدة رئاسة الدولة اللبنانية فارغة. وما تعتقده دول كبرى من أن انشغال الرياض وطهران بمواجهتهما الاقليمية يُطلق يديْ حليف كل منهما في لبنان، ويصبح في إمكانهما انتخاب رئيس ليس في محله. ذلك أن اليديْن المذكورتين ليستا طليقتين ولن تصبحا طليقتين رغم كل التصريحات والمواقف. وسبب ابقاء الفراغ في رئاسة الجمهورية ثالثاً هو أن انتخاب رئيس في الظروف الراهنة لن يحل أزمات لبنان الدخلية والأخرى ذات الأبعاد والخلفيات الاقليمية. ذلك أنه حَكَمٌ بموجب أحكام الدستور وليس جزءاً من السلطة التنفيذية، وتقلصت صلاحياته بموجب اتفاق الطائف.

وأقصى ما يمكن أن يقدمه للبنان هو إحياء مؤسسة الرئاسة شكلاً، وفرض تأليف حكومة جديدة، وفتح أبواب مجلس النواب للقيام بالتشريع والمراقبة والمحاسبة. وهذا أمر مهم إذ ربما يحول دون انزلاق البلاد إلى الحرب، ويدفع المتصارعين الكبار في المنطقة وحلفائهم في العالم يوم يجلسون إلى طاولة حوار للبحث عن تسويات تنهي الحروب المشتعلة في عدد من دولها وإلى تكريس النظام القائم في لبنان، وإن بعد إدخال تحسينات عليه وتعديلات تجعله غير “مكربج” بالعوامل الطائفية والمذهبية ومداخلات الخارج المتنوّع. لكن الأهمية المشار إليها اعلاه قد تكون هي الدافع لعدد من القوى الاقليمية التي صارت جزءاً من الساحة اللبنانية كي لا تستعجل انتخاب رئيس. ذلك أن تنفيذ كامل مشروع كل منهما في المنطقة وتحديداً في سوريا لا يزال يواجه الفشل والخيبة، لذلك فإنهما ستبقيان في حاجة إلى “احتياطيِّها” اللبناني ليقوم بما يستطيع في خدمة مشروعيهما. وتلبية هذه الحاجة تحتاج إلى استمرار الفراغ الرئاسي وإلى إبقاء الساحة الداخلية متشّنجة والدولة في “كوما”. علماً أن ملأه لن يلغي المخططات الكبرى. أليس لتجاوب القوى اللبنانية مع إيران والسعودية إذا احتاجتا الى “ساحة لبنانية” دوافع محلية فئوية إضافة إلى دوافعه الاقليمية؟ وما هي حاجة الدولتين إليها؟

(النهار)

السابق
اعتقال معارض سوري بتهمة «الإرهاب»… فـ«العمالة لإسرائيل»
التالي
«داعش» عندما يهزم العالم!