تشريع الضرورة للإطاحة بالسرية المصرفية في لبنان؟

يكثر الحديث خلال هذه الأيام عن تشريع الضرورة، وخصوصاً عن حزمة القوانين المالية التي يتردد أن إقرارها ضروري حتى لا يتعرض لبنان وقطاعه المصرفي لعقوبات مالية منها إدراجه في خانة الدول غير المتعاونة.

ولكن ما هي هذه القوانين؟

هناك قوانين تتعلق بإقرار قروض من مؤسسات دولية، وقد سبق للبنان أن أقرّ العديد منها.

ولكن هناك بشكل خاص ثلاثة قوانين يحاول البعض تمريرها كأمر واقع دون أن تتم دراستها بشكل وافٍ من قبل الخبراء ودون اطلاع الرأي العام على مضمونها.

مشروع القانون الأول يتعلق بوضع سقف لعمليات اخراج الأموال نقداً عبر الحدود أو المطارات خارج البلاد. والعديد من الدول قد أقرّت مثل هذه القوانين.

مشروع القانون الثانية يتعلق بتعديل بقانون تبييض الأموال، وبشكل خاص توسيع مجال مراقبة العمليات المالية وتوسيع توصيف عمليات التبييض وجعل العقوبات عليها أكثر قساوة.

ولكن مشروع القانون الثالث هو الأكثر حساسية والأكثر خطورة خاصة والعنوان المعطى له لا يدل بشكل واضح على مضمونه. فتحت تسمية «مشروع قانون تبادل المعلومات الضريبية» يرمي مشروع القانون الأخير هذا إلى تعديل قانون السرية المصرفية بشكل ملموس مما يؤدي إلى قلب الموازين التي بُني عليها الاقتصاد اللبناني منذ خمسينات القرن الماضي رأساً على عقب.

فمشروع القانون هذا يفتح المجال لأي ادارة أجنبية، أو أي دائرة ضرائب أجنبية، أن تطلب رفع السرية المصرفية عن أي شخص يملك حسابات مصرفية في لبنان والحصول على كافة المعلومات المصرفية المتعلقة به بمجرد الاشتباه بقيامه بأعمال غير مشروعة او الاشتباه بأنه يتهرب من الضرائب في الخارج.

طبعاً يتضمن القانون أصولاً يتوجب اعتمادها في هكذا حالة كما يعطي الشخص المطلوب بإزالة السرية المصرفية عنه حق الاعتراض. ولكن هذه الأصول وحق الاعتراض الذي ينص عليه مشروع القانون لا يؤمنان للشخص الذي يمكن ان يطلب رفع السرية المصرفية عنه الضمانات القانونية الكافية للدفاع عن نفسه، كما أن القانون بمجمله لا يأخذ بعين الاعتبار الوضع القانوني العام في لبنان، ولا الأوضاع الخاصة للعائلات اللبنانية التي ينتشر أبناؤها في كافة دول العالم، فضلاً عن أن من شأنه أن يضع العديد من اللبنانيين في موضع الشبهة.

 

نتائج كارثية على القطاع المصرفي

وهنا لا بد من التساؤل هل إن الذين وضعوا مشروع القانون هذا قد فكروا ملياً بنتائجه؟ هل إن الذين من وضعوا مشروع القانون هذا قد تنبّهوا للآثار التي يمكن أن تترتب عليه؟ هل أن الذين وضعوا مشروع القانون هذا قد بحثوا ما إذا كانت الدول العربية والآسيوية والافريقية الأخرى قد
أقرّت قوانين مشابهة؟ هل إن الذين وضعوا مشروع القانون هذا قد فكروا بما قد يترتب عنه بالنسبة للبنانيين المقيمين في الخارج والذين لا تزال عائلاتهم في لبنان؟ الجواب طبعاً سلبي.

صحيح أن هناك اليوم توجهاً عالمياً تتزعمه «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، وهي منظمة لا ينتمي اليها لبنان ولا تنتمي إليها أية دولة عربية أخرى، (فيما تنتمي إليها إسرائيل)، لاعتماد التبادل الآلي للمعلومات الضريبية أي التبادل الآلي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المصرفية. ولكن العديد العديد من دول العالم لم توافق بعد على هذا المبدأ، لا بل إن عدداً قليل منها قد وافق عليه فيما البعض لم يوافق عليه والبعض الآخر طلب مهلاً طويلة الأمد قبل السير به او اعتماده.

فحتى سويسرا، وهي عضو في «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، التي تعرضت لضغط هائل من قبل دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية من أجل اعتماد مبدأ التبادل الآلي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المصرفية، ــ حتى سويسرا لم تعد بالسير به قبل العام 2018. فإذا كانت سويسرا قد حصلت من دول الاتحاد الاوروبي على مهلة زمنية حتى العام 2018، فإنه يمكن بالتأكيد للبنان أن يحصل على مهلة تمتد إلى 2025 أو حتى 2030.

ومن هنا فإن القول إن قانون تبادل المعلومات الضريبية، أي المعلومات المتعلقة بالحسابات المصرفية، هو قانون لا سبيل للبنان إلى عدم إقراره، أو أقله إلى تأجيل إقراره، أمر يحتمل النقاش، خاصة وأن على لبنان أن لا يقبل مغمض العينين بما يضر بمصلحته وبمصلحة أبنائه، أو على الأقل أن لا يقبل بما يُفرض عليه قبل مناقشته والحصول على مهل زمنية طويلة لترتيب أوضاعه.

ومبرر قيام لبنان بالتفاوض للحصول كغيره من الدول على مهلة طويلة قبل إقراره هكذا قانون أمر بديهي لا بد منه لأسباب عديدة.

 

الهدف: السرية المصرفية

فمن جهة أولى لا بد قبل إقرار مبدأ تبادل المعلومات الضريبية، أي الإطاحة بالسرية المصرفية، ولو بشكل جزئي في لبنان أن يقوم لبنان بتعديل العديد من قوانينه الداخلية خاصة الضرائبية منها، وذلك صوناً لحقوق اللبنانيين وخاصة اللبنانيين الذين يعملون في الخارج ولا تزال عائلاتهم تقيم في لبنان.

ومن جهة ثانية فإنه لا بد قبل إقرار مبدأ تبادل المعلومات الضريبية أي الإطاحة بالسرية المصرفية ولو بشكل جزئي في لبنان العمل لعقد العدد الأكبر من المعاهدات التي تحد من الازدواج الضريبي بين لبنان والدول التي يتواجد فيها لبنانيون. فإذا كان لبنان قد وقع منذ زمن معاهدة بهذا الخصوص مع فرنسا، إلا أن اللبنانيين ينتشرون اليوم في كافة دول أوروبا الغربية والشرقية ودول أفريقيا وكندا ودول أميركا اللاتينية والدول الآسيوية. فالإطاحة بقانون السرية المصرفية قبل عقد معاهدات تمنع الازدواج الضريبي بين لبنان وبين كل هذه الدول من شأنه الإضرار بشكل بالغ باللبنانيين الذين يقيمون في هذه الدول.

وفي المحصلة فإن لبنان قد تمكن منذ خمسينات القرن الماضي بفضل قانون السرية المصرفية من استقطاب العديد من الرساميل الأجنبية ورساميل اللبنانيين المقيمين في الخارج بحيث يمكن القول بأن السرية المصرفية هي التي سمحت للاقتصاد اللبناني بالازدهار.

 

(سارة الهادي اسم مستعار لمحامية تعمل في القطاع المصرفي)

السابق
لماذا الابتهاج والفرح لأردوغان في لبنان؟!
التالي
رعد: عندما نقاتل في سوريا ندافع عن أنفسنا ومشروعنا