جديد «داعش» إن صدق … طائرات مفخّخة؟

إنّ سقوط طائرة ركّاب مدنيّة في القرن الواحد والعشرين بسبب عطل فنّي، لغز يحيّر العلماء على مدى أشهر وسنوات أحياناً، قبل التمكّن من إزالة ستار الغموض عنه. من هنا، يصبح اللغز شبه عصيّ على الفهم إذا تحطّمت طائرة تجاريّة بسبب قنبلة أو عمل تخريبيّ مدبّر.

أمّا إذا اقترن ذلك الحدث بإعلان تنظيم “#داعش” مسؤوليّته عنه، بدون إعطاء أيّ تفاصيل إضافيّة، فللمرء أن يتخيّل حراجة الوضع أمام الخبراء ورجال الاستخبارات ومسؤولي أمن المطارات في محاولة كشف ما حصل. وإن كان سقوط طائرة الركّاب الروسيّة الاسبوع الماضي أنهى رحلة ومسيرة حياة 224 ضحيّة، فإنّ رحلة البحث عمّا ينتظر العالم بعد تلك الكارثة على وشك أن تقلع.

لم يتريّث طويلاً “#تنظيم_ولاية_سيناء” التابع لتنظيم “#الدولة_الاسلاميّة”، قبل أن يعلن عن مسؤوليّته في إسقاط الطائرة الروسيّة السبت الماضي وتحطّمها في شبه جزيرة سيناء. تقنيّاً، يستبعد المسؤولون فرضيّة أنّ الرحلة أسقطت بصاروخٍ مضادٍ للطائرات، فيما يعتقد مسؤولون غربيّون بارزون ومقرّبون من التحقيق بأنّها أسقطت عبر وضع قنبلة داخلها. وإذا كانت تلك الفرضيّة صحيحة، فهي ستشكّل تربة خصبة لتنبت منها أسئلة، فيها من القلق بقدر ما فيها من التشعّب.

 

هل كذب “#داعش”؟

لا ريب في أنّ التنظيم يعتمد سياسة دعائيّة كبيرة لإثارة الرعب. والدعاية السياسيّة أو البروباغاندا لا تستبعد الكذب عن أجنداتها للوصول الى غاية معيّنة. لذلك لا تسقط تلك الفرضيّة من الحسابات حتى الآن. وحتى في حال تبيّن كذب التنظيم في هذه المسألة فإنّ صحيفة “الغارديان” البريطانيّة تعتبر أنّ “فوائد الكذب” التي يمكن للتنظيم الارهابي أن يجنيها في الأيّام القادمة أكبر من فوائد إيثاره الصمت إزاء القضيّة وأكبر حتى من انفضاح دجله أمام الرأي العام العالمي. فالفوضى والذعر التي يمكن أن ينشرهما في قلوب أعدائه سيتركان بصمتهما طويلاً في بقاعٍ عدّة. وها هي دول مهمّة تعلّق رحلاتها الى سيناء وتتجنّب تحليق طائراتها فوقها حتى، ما يعني الى أنّ التنظيم “قطف ثمار” فعلته حتّى الآن.

إذا ألغيت فرضيّة الكذب، كيف استطاع “#داعش” إدخال القنبلة الى داخل الطائرة؟

ليس إفشاء لسرّ إذا تمّت الاشارة الى أنّه لا بدّ من أن يكون هناك تخطيط مسبق محكم وعلى اتصال بأدوات تنفيذ فاعلة. هذا في المبدأ. لكن على رغم ذلك، لا تربض الاشكاليّة هنا. تصرّ “الغارديان” على أنّ مجرّد النجاح في تفجير طائرة في الجوّ يجعلها تتفوّق على تنظيم القاعدة الذي فشل في تفجير رحلات جوّيّة بواسطة إدخال قنابل الى داخل الطائرات. أمّا بالنسبة الى العمليّة بعينها، فترى أنّه “يمكن أن يكون التخطيط تمّ في سوريا من “داعش”، والتصنيع من التنظيم نفسه تمّ في مصر، والعميل السرّيّ الذي أدخلها يمكن أن يكون روسيّاً تابعاً للتنظيم”(كأن يكون متطرّفاً من الشيشانيّين أو ما شابه ذلك).

 

شبكة متينة وعمليّات معقّدة

قدرة التنظيم على إدارة عمليّات أمنيّة بالغة التعقيد وعابرة للدول والاقاليم ليست حدثاً بسيطاً ومحدوداً. صحيح أنّ هجمات “داعش” كانت واضحة في دول عدّة حول العالم، لكنّها لم تكن تتطلّب في معظم الحالات تخطيطاً مركزيّاً كما هو مرجّح في تلك العمليّة. ومن ناحية ثانية، إنّ معظم الاعتداءات التي حصلت بعيداً عن سوريا والعراق، شنّها ما بات يعرف في الغرب ب”الذئب المنفرد” (lone wolf) حيث يقوم متطرّفون بالتخطيط والتنفيذ ثمّ يتبنّاهم “داعش” بدون أن يكون بالضرورة قد حصل أيّ أمر من القيادة اليهم أو حتّى مجرّد تنسيق أو معرفة مسبقة من القيادة بما ينوي المخطّطون تنفيذه.

 

تحوّل استراتيجي؟

دانيال بايمان الكاتب والمحلّل في معهد “بروكينغز”، يرى أنّ ما حصل هو تحوّل كبير في استراتيجيّة التنظيم. وفي مقال له عبر موقع “سلايت” يشير الى أنّ التنظيم، وبدلاً من أن يهاجم الروس في #سوريا فإنّه “يضربهم أينما وجدوا”، والتحوّل هنا يكمن أيضاً بحسب رأيه في “تحسين مصداقيّة التنظيم كملاك ثأر للسنّة”. وسيكون منطقيّاً اعتبار “أنّ الاميركيّين سيصبحون قريباً في مرمى نيران التنظيم أيضاً”. ويضيف بايمان أنّه يجوز أخذ حادثة إسقاط الرحلة 9268 على أنّها “لحظة حوّل فيها “داعش” نفسه من خطر إقليميّ الى تهديد عالميّ”.

اقرأ ايضًا: هذا ما كشفه تحليل الصندوقين الاسودين للطائرة الروسية

“داعش” يصل الى الجو؟

هذا السؤال يفرض نفسه أيضاً وسط الغموض. فالتمكّن من زرع قنبلة داخل طائرة وتفجيرها في الجو يشير الى مقدرة على الذهاب بعيداً في نشر الإرهاب عبر الطائرات المفخّخة. لكن كما برزت تلك المخاوف بعد عمليّات 11 أيلول ثمّ خفتت لاحقاً مع الوقت، كذلك يحتمل لنفس القلق الناتج عن ظاهرة تفخيخ الطائرات أن يضعف مع تشديد أمن المطارات وإدخال التقنيات الحديثة لحمايتها. أحد الخبراء في مجال الطيران قال مرّة لقناة “ناشيونال جيوغرافيك” أنّ المعنيّين في هذا الشأن يتعلّمون الدرس جيّداً من الاخطاء الفنّيّة التي تؤدّي الى كوارث التحطّم. ومن المنطقي أن ينسحب التعلّم منها الى مجال أمن الرحلات الجوّيّة.

 

حتى اكتمال التحقيقات، سيستمرّ معظم سكّان العالم في ركوب الطائرات، حتى ولو نجح التنظيم الارهابي في تفخيخ طائرة أخرى أو أكثر. ولعلّ أبرز ما يدلّ على ذلك، عبارة ذكرها الكاتب ريك سيني في موقع “آي بي سي نيوز” الأميركي في الذكرى العاشرة على أحداث 11 أيلول:

“لقد حاول الارهابيّون منعنا من أن نطير، ولكنّنا مع ذلك نطير”.

(النهار)

السابق
الجلسة التشريعية الى حائط مسدود و«جنبلاط»: هذا انتحار!
التالي
المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد «ماتت» «لم تمت»!؟