«الحركات الإسلامية والوجود التكفيريّ» في المجمع الثقافيّ الجعفريّ

يهتم العلامة الشيخ محمد حسين الحاج في اللقاءات الحواريّة التي تُقام في المجمع الثقافيّ الجعفريّ لما تشكله من إضافة للواقع الثقافيّ في لبنان حيث قال في كلمته الإفتتاحية “تتجدد اللقاءات الحواريّة بين فترة وأخرى في المجمع الثقافيّ الجعفريّ إذ أننا نعتبر ان اللقاءات يجب ألا تكون عبارة عن نقل لأفكار الآخرين، بل نريد ان تكون إبتكارا وتجديدا، كما تعوّدنا، و نحاول أن نتفاعل مع الآخرين ليكون هناك أسبقيّة، كما في العمل من خلال مواكبة العصر والحدث رغم الامكانيات المتواضعة، نرى انه هناك إقبال وإندماج وتعاون مع المؤسسة نظرا لأهمية الأفكار والطروحات، مع أننا نعتب على كثير من المؤسسات الكبيرة التي تسعى للعمل حول الأديان والمذاهب وتقريب وجهات النظر، ولكننا نرى ذلك مع إحترامنا للكثيرين الكثير منها إستعراضي، ولهذا عندما نلتقي الأشخاص وعندما ندعو بعض الشخصيات لطرح أيّ فكرة أننا ندرس الشخصيّة بشكل جيد كما عنوان المحاضرة الموضوع او الطرح. وقد وُجّه إلينا بعض العتاب من بعض الشخصيّات لعدم إستضافتهم، آملين أن نُوفق لدعوة واستضافة كل المفكرين والمثقفين الذين لهم دور وجرأة في التنوع الفكريّ والحضاريّ.

 

ثانيا، نحن نسعى وندعو الى لمّ الصفوف مع عدم علمنا بأن الكثير من اللقاءات والمؤتمرات والتي كانت أخيرا في مصر والسعودية وإيران، وبعض الندوات هنا وهناك كما للمجمع دور في إيجاد عدة لقاءات متنوعة المذاهب والطوائف. وهذا ان لم يوصل الى نتيجة في الوقت الحالي من الناحية العملانيّة والميدانيّة الا ان له دور في تنفيس الإحتقان وإيجاد التلاقي بين الأطراف، وهو أضعف الإيمان للوصول الى رؤية متناغمة ومتحاورة.

 

في ندوته الأخيرة التي جاءت تحت عنوان “الحركات الإسلامية والوجود التكفيري” حاضر أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعة الأميركيّة والمتخصص في الشؤون الدينية بين الطوائف والمذاهب والحركات الإسلامية الدكتور أحمد موصلّلي الذي عُرف عنه جرأته في طرح الموضوعات، وتحررّه من النموذج الإسلامي، والإعلامي قاسم قصير المتابع لملف الحركات الإسلامية.

مجمع الثقافي الجعفري

 

موصللّي

اعتبر الدكتور أحمد موصللي أن “قضية التكفير قضية محورية بين المسلمين والمسلمين، وبين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين واليهود. وهي ليست بجديدة، وليست نتاج المرحلة الحاليّة فقط. بل هي قديمة لكن اختلفت عملية التوظيف وكيفية تنفيذ الحكم. وسأعطي نموذجين قديمين، فأول ما طُرح التكفير كان من قبل الخوارج، أي بعد قبول علي عليه السلام بتحكيم معاوية، وقد استدلوا بآيات كثيرة على موقفهم، وقد كان خلافا ليس على العقيدة بل على التقييم.

 

اما النموذج الثاني، وهو المؤثر اليوم أي نموذج ابن تيمية الذي وضع ضوابط شديدة جدا للتكفير. وهو الذي اعتبر ان الشيعة والعلويين من الكفّار، كونهم خرجوا عن الحكم الحقيقي بسبب الصراع السياسي الضخم جدا عند دخول المغول الإسلام، ولم يرض ابن تيمية بإسلامهم، فكفرّهم وكفّر كلّ من لم يأخذ بحرفيّة القرآن في قضايا أساسية التي تعود لها الوهابية كقضايا الإستواء والإلوهية وقضايا علم الكلام، وكفّر كل من يقول بالتفسير المجازي للآيات الكريمة، واعتبر ابن تيمية ان من يقول بخلاف رأيه فهو كافرعقائديا وسياسيا”.

 

ويضيف موصللي، قائلا: “أما الحالة الثالثة فهي تعود في أساسها الى الفكر الوهابي، كداعش والنصرة وجيش الإسلام، وهي التي تأخذ فكرها من الحركة الوهابيّة وهي أول الحركات في العصر الحديث ورائدها محمد بن عبد الوهاب الذي توفي عام1796 وهوالمؤسس الحقيقي للمذهب الوهابي، وقد أنشأ دولته التي تقول اليوم، كما تقول داعش، حيث كفّر السنّة أيضا، وأقام منظومة تعتمد على فكر ابن تيمية الذي يكفّر كل من لا يقول بتفسير القرآن تفسيرا حرفيّا، علما ان غالبية المسلمين يفسرون القرآن تفسيرا مجازيا كالوجه واليد والإستواء، في حين يعتبرها المسلمون بأجمعهم قضايا مجازية. لذا اعتبر محمد بن عبد الوهاب ان المسلمين لم يكونوا مسلمين حقيقيين قبلا. وقد جال في نجد، ودمّر القرى، وقتل الناس، وأجبر الكثيرين على اعتناق المذهب الوهابي، وذهب الى كربلاء حيث أراد هدم المقامات، وكتب رسالة الى الخليفة العثماني يدعوه الى الإسلام، وكان يغزو كل من يذهب الى الحج، ويعتبره جزءا من حالة الكفر الموجودة في العالم الإسلامي، وبرر قتل كل من اختلف معهم. لذا فان “داعش” ليس حالة جديدة، والتكفير هو آليات وديناميات بين المسلم والمسلم، فلا يكفّرغير المسلم بالآليات نفسها التي يكفّر فيها المسلم.. اما السلفيّة ففي غالبيتها يمسك بها الفكر الوهابي بسبب النفط والمال مما ساعدها على الإنتشار وهي حالة تكفيرية ايضا”.

“وهناك حالة تكفيرية ثانية هي حالة سيد قطب، اذ اعتبر قطب اننا نعيش في عالم جاهليّ لابد فيه من تدمير الحالة الجاهلية في العالم كله، والعودة الى حاكمية الله، واعتبر ان مصر حالة جاهليّة، لذا سجنه جمال عبد الناصر ثم أعدمه. وإعتبر قطب ان المسلمين لا يطبقّون شرع الله ولا يحكمون بما أنزل الله، وقسّم العالم فسطاطين وحوّل الفكر العقدي الى فكر سياسي، واعتبر الجميع كالمؤسسات والدول في العالم الإسلامي كفّار من العراق الى مصر الى السعودية. علما اننا لم نر سابقا حالات تكفير دول ومؤسسات، بل حالات تكفير لأفراد، لكن مع سيد قطب وصلنا الى تكفير الدولة، فقد وصف الدولة بالكفر او الإيمان”.

 

“ويُعتبر سيد قطب من مؤسسي فكرة تكفير الدولة. لذا نجد ان ابن تيمية رائع امام سيد قطب، وان كان سيد قطب من أهم المفكرين، لكنه أخذ المنحى التكفيري، لكن مع وفاة عبد الناصر وحكم أنورالسادات أُفرج عن المعتقلين الإسلاميين، فنشأت أول حالة تكفيرية في السجون هي جماعة التكفير والهجرة، حيث ذهبوا بعدها الى أفغانستان لمحاربة السوفيات، وبذلك اجتمع الفكر السلفيّ مع الفكر الوهابيّ. وقد شهدنا نتيجة هذه الحرب خلال السبعينيات والثمانينيات من تحويل الأيديولوجيا الى سلاح تكفيري إستعملته الوهابية فانقلب عليها بعد انسحاب الإتحاد السوفياتي من أفغانستان”.

 

ويضيف موصللّي “والخطورة، كما نرى، في داعش، وانا كباحث لست مندهشا من داعش لأن محمد علي باشا قام بغزو الدولة الوهابيّة التي كفّرته، وقد هربت الحالة الوهابية الى الكويت وبقية دول المنطقة، وما نراه اليوم هو الحالة الثالثة المدعومة من الإنكليز بسبب استمرار النفط والبترودولار الذي أدى الى صمود هذه الحالة، واصبح التكفير سهلا، بل انه يؤدي الى القتل والذبح والسبيّ، وكل ما هو خلاصة كفر شخص. علما انه هناك ضوابط للتكفير، وهذا الكفر السياسي ليس كفرا جديدا، بل هو موجود منذ الحالة الذهبية للإسلام أي أيام الخلفاء الراشدين، والخلاف كله كما نعلم سببه الصراع على السلطة، وعلاقة الديني بالسياسي، وهو مستمر الى اليوم”.

 

وختم موصللي قائلا “اننا نعاني من تسلّط البعض، وليس من الإيمان او النص. والتكفير، برأي موصلليّ، هو سلاح الأيديولوجيّة الوهابيّة، إضافة الى توّحدها اليوم في دولتين عربيتين هما السعودية وقطر”. ويجب، بحسب موصللي، العمل على تفكيك الفكر التكفيري، لكن الى اليوم لم يتم ذلك، اضافة الى الفكر السلفيّ الذي يرفض التطور الذي حصل في البلاد العربية والإسلامية ويريدون ان يرجعونا الى العصر الإسلامي الأول. ويعتبرون ان المسلمين يعيشون اليوم جاهلية، ويريدون العودة الى الحاكميّة، لذا من أهم القضايا هو العمل على تفكيك الفكر السلفيّ والقطبي، وهو فكر شديد الخطورة، وعمليّا لم نقرأ كتبا جدية في محاربة التكفير”.

 

قصير

في حين رأى الإعلامي قاسم قصير ان “التكفير منتشر حتى في الأجواء اليسارية والشيوعية، ونوّه بالفكر المسيحي الذي أدخل فكرة الخلاص الى العقيدة المسيحية بعد سلسلة خلافات وصراعات”.

 

واعتبر ان “ابن تيمية لم يكفّر الشيعة حيث انه أجاز الصلاة للسنّة خلف أمام شيعي في بلد يحجمه الشيعة”، واعتبر ان “الوهابيّة اليوم تختلف عن الوهابية التكفيرية الأولى، وان الوهابية تطورت”، ورأى “ان خطورة التكفير هو ارتباطه بالعنف”.

واعتبر انه “طالما هناك من يعمد الى إحتكار الفكر الديني فإنه يقول بالتكفير، حتى المجتهدون لا يمكنهم القول ان قولهم هو الإسلام، بل يقولون هذا إجتهادنا وهذه رؤيتنا”.

 

ودعا قصير الى “ان تنتقد الحركات الاسلامية نفسها، وان تلغي العنف وتعتمد الحرية، وعلينا كمسلمين ان نعمل بمقولة “لا اكراه في الدين”.  وختم” نحن بحاجة الى عقل إسلامي جديد وفقه إسلامي جديد ومشروع إسلامي تجديدي يؤمن بالتعددية والآخر والحرية”.

 

وبعد إنتهاء المنتدين، قدّم العديد من الشخصيات والفعاليّات الحاضرة مداخلاتها التي أغنت اللقاء، وأثبتت تنوع جمهور ندوات المجمع الثقافي الجعفري.

السابق
طائرة روسيا.. صمت الصندوق الأسود يعزز فرضية الاعتداء
التالي
تفجير عرسال: اغتيال الاعتدال.. والعين والخوف على الحدود الشرقية