ديما صادق وكذبة «تشويه صورة المقاومة»

حدث بين حين وآخر، أن يأتي من يملك المال والإعلام والسلطة والقوّة والسلاح، ليقول ما يريد، ويفعل ما يريد، وليحاول إقناع كثيرين بأنّه يمثّل "فكرة"، من دون انتخابات ولا توكيل ولا أيّ وجه حقّ.

في الدعوى المقدّمة ضد الزميلة ديما صادق من قبل حزب الله، إستند الادعاء على أنّ المدّعى عليها “تشوّه صورة حزب الله”، وفي الترويج للدعوى على الإعلامية في أوساط جمهور حزب الله وإعلامه أنّها تعمل على “تشويه صورة المقاومة”.

في الجملة الثلاثية مغالطات سياسية رباعية وخماسية وسداسية. جملة من ثلاث كلمات: “تشويه” و”صورة” و”مقاومة”، واللبنانيون يختلفون على كلّ شيء في كلّ واحدة من هذه الكلمات الثلاثة.

نبدأ من التشويه. هو فعل يستعمل للقول إنّ جهة ما، أو طرفا ما، أو شخصا ما، قد عمد إلى إظهار شيء بغير حقيقته، أو إلى تخريب وجه جميل، أو إلى الاعتداء على معلم ما. لكن لم يسبق أن نجح أحد في “تشويه” فكرة، خصوصاً إذا كانت الفكرة جميلة وسامية ومحقّة.

هل لأحد في العالم أن “يشوّه” معنى “الجمال” أو “الحبّ” أو “الإخلاص”. هل لأحد أن يقنع أحداً، في هذا الكوكب، بأنّ “الشوق” فكرة مؤذية، أو أنّ “الحريّة” تؤذي الأحرار؟

اقرأ ايضًا: حزب الله يلجأ الى القضاء اللبناني أم يستعمله فقط ؟

كيف، والحال هذه، يستقيم أن يقنعنا إعلام حزب الله، ليلا ونهارا، بأنّ هناك من يريد “تشويه” فكرة “المقاومة”. المقاومة فكرة سامية وستظلّ. لكنّ الأكيد أنّ حزب الله يريد ادّعاء “المقاومة”.

بل إنّ ما يريد حزب الله قوله إنّ هناك من يريد تشويه “حصرية” تملّك حزب الله وادّعائه تمثيل فكرة المقاومة ومحاولته الالتصاق بها. المقصود هنا بـ”التشويه” هو “قول ما لا يجب قوله” أو “ما ليس مسموحاً إعلانه”. وهذا ليس تشويها، بل هو “حرية في التعبير”. كأن يقول أحد اللبنانيين إن حزب الله ميليشيا إيرانية. هنا لا “يشوّه” حقيقة حزب الله، بل يقول رأيه فيها، تحت سقف القانون والمنطق والأخلاق.

ديما صادق

فحين يقول بشار الأسد إنّ سورية الأسد هي “العروبة”، هذه تكون سرقة موصوفة. أو أن يقول ستالين إنّه رمز الإشتراكية والشيوعية، أو أن يقول جورج بوش إنّه جاء ونشر “الديمقراطية” في العراق، أو أن يقول شارون إنّه “نظّف” بيروت من الفلسطينيين. هذه سرقة لأفعال التنظيف ولأفكار الديمقراطية والاشتراكية والعروبة.

لكن يحدث بين حين وآخر، أن يأتي من يملك المال والإعلام والسلطة والقوّة والسلاح، ليقول ما يريد، ويفعل ما يريد، وليحاول إقناع كثيرين بأنّه يمثّل “فكرة”، من دون انتخابات ولا توكيل ولا أيّ وجه حقّ.

يحقّ لنا، والحال هذه، التوجّه إلى من يدّعون أنّ هناك من “يشوّه” صورة “المقاومة”، بالقول إنّكم “تشوّهون”، أنتم، وليس نحن، “فكرة” المقاومة. فمن يشوّه “المقاومة” هو الذي يريد إقناعنا أنّ احتلال الزبداني “مقاومة”. تماماً كما شوّه حزب الله فكرة “العمالة” حين صار يطلق هذه التهمة على كلّ من يخالفه الرأي السياسي، وراح يبرّىء العملاء إذا كانوا في صفوف حلفائه، مثل العميل فايز كرم.

 

في جانب آخر فإنّ “الصورة” التي يتحدّث عنها إعلام حزب الله ليست “صورة” المقاومة. ليست كما حين تقاوم امرأةٌ من يحاول اغتصابها، أو أن يقاوم رجلٌ من يحاول سرقته، أو أن يقاوم شعبٌ ما جيشاً جاء ليحتلّ أراضيه. بل إنّ “الصورة” التي تدّعون أنّ هناك من يشوّهها هي صورة بشعة أصلاً.

اقرأ ايضًا: مستند حزب الله ضد ديما صادق: صورة عن ويب سايت !!!

ففي أذهان نصف اللبنانيين، على الأقلّ، أن حزب الله هو ميليشيا إيرانية، وباعتراف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، أكثر من مرّة، بانّه جندي في ولاية الفقيه، وبأنّ حزبه يأتمر بأوامر إدارة الجمهورية الإيرانية. وفي أذهان كثيرين تتلاصق صورة حزب الله مع صورة عملاء لإسرائيل في المراكز القيادية، والفاسدين، وتجّار الكبتاغون، ونوح زعيتر، وآخرين.

“الصورة” هي صنو 7 أيار، والاستقواء بالقمصان السود، والاعتداء على الشعب السوري وخياراته. هذه هي “الصورة” وحين يقال، زورا وبهتاناً، إنّ هناك من “يشوّهها”، يكون المقصود، من وراء القول، إنّ هناك من يظهرها، في حين أنّ المطلوب، بل والمسموح، القول إنّها “صورة” أخرى، هي صورة رجال يقاتلون “في سبيل الحق والعدل ورفع الظلم”.

إتّهام ديما صادق بأنّها “تشوّه صورة المقاومة” هو هذيان. فلا التشويه وقع، ولا الصورة حقيقة، ولا المقاومة مقاومة. الأصحّ القول إنّ ديما صادق “تقول عن حزب الله ما لا يحبّ سماعه وما لا يسمح بقوله”. هذه هي الجملة الحقيقية. كلّ ما عدا هذا “سلبطة” لغوية ولّى زمانها.

السابق
تعرض مجموعة من «طلعت ريحتكم» للضرب
التالي
جنبلاط غادر إلى باريس