مأثِرة نسيب لحود

نسيب لحود
نموذج نسيب لحود مثّل المقابل والنقيض لنموذج المحاصصة باسم العصبيات على حساب مشروع الدولة، لذا كان دائما في موقع المثال الذي يستحضر دائما حين البحث عن رجل سياسي يؤتمن على مشروع الدولة.

نسيب لحود الذي رحل عنّا قبل اربع سنوات، عرفه اللبنانيون نائباً ووزيراً وسياسياً طيلة عقدين من الزمن، منذ نهايات الثمانينات في القرن الماضي حتى نهاية العقد الاول من القرن الحالي، عرفه اللبنانيون رجلاً مستقيماً ومخلصاً لموقعه ولدوره في السلطة التشريعية او التنفيذية، فقد كشف خلال مساره السياسي عن منهج وسلوك سياسيين ينتمي فيهما الى نموذج رجل الدولة بالمعنى الكامل بحيث يمكن ان تشكل سيرته مثالا تطبيقيا لمفهوم رجل الدولة.
نسيب لحودمنذ بداية حياته النيابية اثبت نسيب لحود انه من قماشة البرلماني النموذجي، لذا كان معارضا للعديد من السياسات التي كانت تؤسس للبنان ما بعد اتفاق الطائف، كان المتصدي بقوة منطقه وبصلابة الموقف وبرؤية متماسكة للسياسات الحكومية ولكثير من القوانين التي رسخت منطق المحاصصة ولـ”الترويكا” وفتحت الابواب امام تشريع الفساد واستشرائه بشكل كبير في الحياة السياسية وعلى مستوى الادارة العامة.
مطالعات نسيب لحود البرلمانية خلال جلسات اقرار الموازنة العامة، وغيرها من الجلسات التشريعية ومحاسبة الحكومة، عبّرت عن شخصية برلمانية متماسكة في فهمها للدستور، تنطلق من احترام فطري وعميق للقانون، مسكونة بوطنية لبنانية متخففة من الادعاءات والشعارات، بحيث دخل نسيب لحود وجدان كل لبناني ومثّل لمعظم المواطنين اللبنانيين، الشخصية التي تستحق ثقتهم ويطمئنون لخياراتها.
نسيب لحودلم يكن شخص نسيب لحود وسلوكه يوماً من الايام محل جدل طائفي، لم تكن جاذبيته الوطنية منطلقة من انتماء عصبي، لم يستخدم يوما مسيحيته او مارونيته كوسيلة لجذب المحبين او لمقارعة الخصوم، كان رجلا محترما يخاطب الناس باعتبارهم مواطنين لبنانيين ويخاصم انطلاقا من معيار الدولة ودستورها وقوانينها. حتى من قارعهم نسيب لحود وفنّد سياساتهم لم يستطيعوا الا ان يحترموا منطقه، بمعنى ان نسيب لحود كان يبني الدولة من حيث يجب، من الأسس التي تنتمي الى الدستور والقانون، من التشبع بلبنانية جعلته اكبر من ان يفكر أحد ان يحتوي هذه الشخصية او ان يستدرجها الى زواريب سياسية كانت كفيلة بتطويعه وتحويله الى مجرد رقم ممسوك في لعبة البرلمان والسياسة خلال الوصاية السورية.
لأن نسيب لحود لم يكن من الصنف الذي يريد اتباعاً محكومين بولائهم لمنافع صغيرة على حساب القانون، كان دائما منحازا الى الذين يريدون وطنا ودولة ومؤسسات دستورية وقانونية تحترم المواطنين ويتمسك المواطنون بها. هذا الصنف من اصحاب الطموحات الوطنية الكبرى لا تستدرجه المنافع والمكاسب الصغرى، ولا يتوسل العصبيات المذهبية او الطائفية او الضيقة، ولا يهرول في طريق الاستثمار بالجهل وترسيخه بحثا عن منصب او زعامة ولو على ركام المجتمع والمؤسسات، كما يفعل العديد من السياسيين أومن الاحزاب اللبنانية الذين لا يقيسون مكاسبها في السياسة الا بقدر ما يحققون من سلطة ومن موقع في نظام الفساد.
نموذج نسيب لحود مثّل المقابل والنقيض لنموذج المحاصصة باسم العصبيات على حساب مشروع الدولة، لذا كان دائما في موقع المثال الذي يستحضر دائما حين البحث عن رجل سياسي يؤتمن على مشروع الدولة، النموذج الذي مثله نسيب لحود تراجع امام الغوغائية وإزاء انفلات العصبيات، ومع تراجع هذا النموذج، تقدم المثال المقابل، الذي يعتبر الدولة مشروعا مناقضا لوجودهم ولنظام مصالح الفساد الذي لا يستطيعون الاستمرار من دونه.
جبران باسيلعندما استمعت للوزير جبران باسيل في رده على ما ورد بشأنه في محطة الـ (ال بي سي) وجدته شديد التأثر بالتهم التي طاولته في ثروته وما الى ذلك من اتهامات تناولت التشكيك بمصادر ما يمتلك من املاك خاصة، اعتبرها موجهو التهمة بأنها نمت وازدادت مع توليه مناصب حكومية. تحدث كثيرا واطال الوزير باسيل ولست هنا في موقع يتجاوز موقع المراقب، لكنني وانا استمع الى محاولاته الحثيثة لرد التهم وتوجيهه الاتهامات لجهات خارجية او محلية تقف وراء ما سماه حملة ضده وضد التيار الوطني الحر وكاد يقول بالحرف ضد المسيحيين، برزت قامة نسيب لحود امامي، وتذكرت الكثير ومنها تلك المأثرة الشهيرة عنه حين صار نائبا في البرلمان، اي اعلانه تجميد كل نشاطاته الاقتصادية والمالية في لبنان ما دام في موقع عام.
كان يكفي جبران باسيل وغيره من السياسيين داخل الحكومة وفي مجلس النواب بدل ان ينشدوا كل صباح انشودة التضحية والوفاء للوطن وللطائفة، ان يعلنوا ببساطة تجميد اعمالهم الخاصة في لبنان، وعدم الجمع بين المسؤولية الرسمية وممارسة الاعمال الخاصة وبالتالي توفير الجهد للرد على الاتهامات وتوفير اكلاف الدعاوى في القضاء.

إقرأ أيضاً: مداهمة «المعاملتين» الدمويّة…من هو المسؤول عن فشلها؟

السابق
باسيل:الحملات الاعلامية ضد التيار جزء ندفعه من ثمن الإصلاح الذي نحارب من أجله
التالي
طيران العدو خرق اجواء مرجعيون على علو منخفض