حزب الله بين مي شدياق وديما صادق

أن يلجأ حزب الله لأول مرة بتاريخه إلى القضاء اللبناني بدعوة قدح وذم ضد الزميلة ديما صادق فهذه سابقة تستحق التوقف والقراءة بغض النظر عن أيّ مسبوقات أو إنحياز لأحد طرفي القضية، وإن كنّا من حيث المبدأ نجدنا متعاطفين حتماً إلى جانب الزميلة صادق بخلفية إعلامية محضة، ومن باب تمسكنا النهائي بحرية الإعلام والإعلاميين، والتي نادى فيها حزب الله نفسه في مرات عديدة وبمناسبات عديدة على لسان رئيس لجنة الإعلام النيابية عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله ومؤتمراته الصحفية المتعددة بهذا الخصوص وآخرها ما أعلنه من تضامن واستنكار وشجب مع الوقوف إلى جانب الزميلة الإعلامية كرمى خياط في قضيتها مع المحكمة الدولية .
يبقى التأكيد ها هنا أنّ إقدام حزب الله برفع دعوى أمام القضاء اللبناني تُمثل خطوةً إيجابية بالخصوص إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ما يُتهم به الحزب على الدوام بتشكيكه الكبير في نزاهة القضاء أو قل بعدم جديته على أقل تقدير نتيجة التدخّلات السياسية وحجم نفوذ القوى السياسية الفاعلة على المسار القضائي ، وهذا ما نشاركه به ويشاركه به أيضاً معظم اللبنانيين .

إقرأ أيضاً: حزب الله يمنع ديما صادق من طرح الأسئلة: هل بدأ كم الأفواه؟
يبقى ما هو أهم من هذا التشكيك وأخطر من هذه التهمة ، وهو أنّ لحزب الله قضاؤه المستقل وأحكامه المستقاة دوماً من عمق إيديولوجيته المبنية على فهمه الفقهي الخاص والتي تعتبر كما هو معروف أنّ معارضيه أو المتجرئين على “ذمه وقدحه” أو التطاول عليه مروراً بإنتقاده أو التشهير به فإنّ حكمه المبرم هو عنده هو القتل بوصفه ” مفسداً في الارض ” أو باعتباره عميلاً اسرائيلياً أو أمريكياً وبالتالي فإنّ القصاص العادل يقع عليه دون الحاجة للرجوع إلى أيّ سلطة قضائية أخرى ولا حتى إلى القوى الأمنية الشرعية .

 

طبعاً نحن هنا لسنا الجهة المخولة لإثبات هذه التهمة على حزب الله أو نفيها عنه حتى لا نقع نحن أيضاً بالمحذور الذي ننتقد الحزب عليه، ولكن هذا لا يمنع من القول أنّ الشائع بين كل اللبنانيين هو ما ندعيه ، وبأنّ تهمة الإغتيال أو محاولات الإغتيال لمعارضين تمّ اغتيالهم إنّما توّجه أصابعها فوراً نحو الحزب مباشرة، وإن كنا بهذا السياق نستذكر الزميلة مي شدياق ومحاولة اغتيالها دون غيرها فقط بلحاظ المشتركات بينها وبين الزميلة صادق ( سلامة قلبها طبعاً ) ليس الا ، فالإثنتين صحافيتين من نفس قناة ال lbc وكونهما يقدمان نفس البرنامج السياسي الصباحي مع الإشارة حتماً للمشترك الأكبر وهو اعتراضمها على سياسات حزب الله .

مي شدياق
وإلى أن يأخذ القضاء وحده مجراه في تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في كلتا القضيتين لا يسعنا إلا أن نأخذ موقف الحياد الإيجابي مع التأكيد مرة جديدة على انحيازنا وتضامننا مع الزميلة صادق وبدون أيّ تردد ليبقى السؤال البديهي في هذا المجال عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بالحزب إلى هكذا خطوة هو بالغنى عنها .
أعتقد جازماً أنّ ما يرمي به الحزب من وراء رفع هذه الدعوة ليس هو مقاضاة الزميلة صادق، وإنّما هو أمر آخر تماماً خاصةً أنّ الإشكالية الأولى التي ذكرناها عن لا استقلالية القضاء لمّا تزل على حالها وبالتالي ليس هنالك من متغير يبرر قيام الدعوى إلا استثمارها من قبل حزب الله في بروبوغاندته الإعلامية، بعد أن صار حديث الكبتاغون والفساد المالي وتستر الحزب على تجار المخدرات ( نوح زعيتر ) على كل لسان وداخل كل الصالونات والغرف في لبنان .
وكأنّ حزب الله أراد من خلال رفع هذه الدعوى أن يقول لجمهوره أولاً ولمناصريه أولاً أيضاً، بأنّ كل ما يقال وكل ما يحكى عن حالات الفساد والمفسدين لا يعدو كونه يندرج في سياق تشويه صورة ” المقاومة ” المقدسة عن مثل هذا الرجس ، وضمن الحرب الناعمة التي تتعرض لها ليس إلاّ ، والدليل على ذلك أنّ المتهم زوراً وبهتاناً بهذه الأفعال الشنيعة والمستنكرة هو من يرفع دعوى قضائية ، ولو كان حزب الله يخشى من هذه الملفات وهذه التهم لما كان تجرّأ على القيام بهكذا خطوة .
هذه هي الرسالة الإعلامية المبتغاة من هذه الدعوى وأتصور أنّها حاجة ملحة داخلياً ومبررة حزبياً ، فإذا ما علمنا بأنّ القضاء اللبناني هو تماماً كما يقول عنه الحزب بأنّه مسيس ، وأضفنا على هذه المعلومة بأنّ نفوذ الحزب نفسه غير بعيد عن هذا القضاء إن لم نقل بأنّه الاقوى، يمكننا حينئذ أن نقول بأنّ “الدعوة الرسالة” قد وصلت إلى جمهوره وأدّت وظيفتها المطلوبة وكفى الله المؤمنين شر القتال والقتل .

السابق
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الثلاثاء في 3/11/2015
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأربعاء في 4 تشرين الثاني 2015