«الوعد الصادق»: علائم الحضور الشيعي في السويداء

يحتلّ الإعلان الترويجي لمستشفى “الوعد الصادق” حيّزاً من البثّ الإذاعي الصباحي لمحطتي “الكرّمة” و”ريّان أف أم” اللتين تتقاسمان هواء محافظة السويداء الإذاعي، ذات الغالبية الدرزية.

دخل المستشفى مؤخراً الخدمة ببنائه القريب من مركز المدينة، بالقرب من ساحة تشرين صعوداً باتجاه الطريق المؤدي إلى منطقة ظهر الجبل. وقد تخصص المشفى في علاج جرحى مليشيا “حزب الله” اللبناني المصابين في معارك جبهة الجنوب، ثم صار يستقبل جرحى قوات النظام، ليتفادى الصبغة الشيعيّة الملازمة لإسمه.

“الوعد الصادق” بات يوثّق تموضع مراكز النفوذ الجديدة، والتبدّلات التي طرأت على صنوف القوى التقليدية التي تدير جغرافيا السويداء المحصّنة بالعزلة.
اختلال ميزان القوى

خلال العام 2015، لم تجد “مشيخة العقل الأولى” العائدة للشيخ حكمت الهجري، حرجاً من الإجهاز على جهود السكان المحليين لتأمين قطعة أرض من أملاك “الوقف الدرزي” لتشييد مستشفى متخصص بعلاج أمراض السرطان. نشطاء محليون كانوا قد أمّنوا كلفة بناء المستشفى وتجهيزاته، من تبرعات المغتربين الدروز في الخارج، وذلك بعدما أوقف مستشفى البيروني في دمشق، في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2013، تزويد “وحدة معالجة السرطان” التابعة للمستشفى الحكومي في السويداء بالأدوية اللازمة، بحسب “جمعية أصدقاء مرضى السرطان”.

في المقابل، سارعت المرجعية الروحية الدرزية الأولى، وبلا تلكؤ، إلى تأمين الأرض اللازمة لإنشاء مستشفى “الوعد الصادق”. فالنفوذ الشيعي في السويداء، ومنذ ثلاث سنوات، صار واقعاً يعادل في سلطته وأدواته نفوذ المؤسسة الأمنية على “مشيخة العقل الدرزية”، وعلى سواها، وفي مرّاتٍ كثيرة يتجاوزها.

السويداء
التشيّع متستّراً

لا تظهر “الحسينيّات” في السويداء، كما لا يظهر التشيّع سافراً في المحافظة الجنوبية، ولا تتم الدعوة علناً عند طائفةٍ شديدة التعصب إلى موروثها، لكن القنوات السريّة تفعل فعلها؛ فالتشييع يحدث عبر تمكين عناصر الجذب إما لخدمة مصالح اقتصادية محلّية، أو لتأمين دخل مالي إضافي داخل مكونات الأزمة الاقتصاديّة الحالية. ويشير مصدر مطّلع على نمو هذه الظاهرة، إلى وصول عدد الدروز المتشيّعين إلى نحو 500 شخص، بعضهم تدرّب لدى مليشيا “حزب الله” ويقاتل مع عناصرها في ريف درعا الشرقي، وبعضهم الآخر من التجّار، ومن أصحاب الاستثمارات العقارية.

ولعلّ أحد المداخل التي تفضي إلى تشيّع الدروز، مرتبط بنسبٍ مزعومٍ للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، إلى جعفر الصادق أحد أئمة الشيعية الأثني عشريّة. وشجرة نسب الحاكم المفترضة يمكن ملاحظتها معلّقة على أحد جدران مضافة “مشيخة العقل الأولى” في قرية قنوات.
التملّك وسيلة أخرى

مطلع حزيران/يونيو 2015، تمت إحدى الصفقات الأكثر التباساً في سوق العقارات في مدينة السويداء، حين اشترى أحد الشيعة منزلاً قديماً يقع قبالة “فرع الشرطة العسكرية” على الشارع المحوري، بمبلغ 1.15 مليار ليرة سورية، علماً أن مساحة الأرض لا تتجاوز 800 متر مربع. أي بلغ سعر المتر المربع الواحد 1.43 مليون ليرة. الأمر الذي أدخل كامل عقارات المنطقة، في ركود تضخمي، تأسس على سعر مضاربة جديد. وبحسب أحد المكاتب العقارية فإن شيعة آخرين اشتروا خلال هذا العام، منازل وعقارات، على طريق قنوات في مدينة السويداء، حيث تسجل أسعار العقارات والأراضي هناك قيماً مرتفعة.

التوافد الشيعي إلى السويداء اتسع منذ عامين، وتخطّى إقامة عناصر مليشيا “حزب الله” في الفنادق المحليّة القليلة العدد، إلى الاستقرار مع عائلاتهم في شقق مفروشة يبدأ إيجارها بمبلغ 50 ألف ليرة. ولا تتوفر إحصاءات دقيقة لما يشغلونه من إجمالي عدد الشقق المفروشة في المحافظة. وجدير بالذكر أن بعض عناصر “حزب الله” وبحسب مكتب عقاري، رفضوا تجديد عقود إيجار شققهم، ورزموا حقائبهم استعداداً لمغادرة المحافظة، مطلع العام 2015، عقب تحرير “مشايخ الكرامة” لمحتجزين دروز لدى فرع الشرطة العسكرية كانوا مطلوبين للخدمة العسكرية في قوات النظام.
التشيّع السياسي

يتحصّن التشيّع كفعل ملموس وخفيّ داخل نسيج الحياة الاجتماعية للدروز، وكمرادف لصيق للاستقطاب حول مشروع “المقاومة” الذي تفتعله مليشيا “حزب الله” أينما تواجدت، متصيّدة أفعال السلفيّة الجهادية السنيّة، كالمجزرة التي ارتكبها عناصر “جبهة النصرة” ضد دروز جبل السماق في ريف إدلب، وتضخيم شبح تنظيم “الدولة الإسلامية” المرابط على حدود المحافظة الشمالية الشرقية. كما أن هناك عقدة خفيّة أخرى داخل فكرة التشيّع التي يروّج لها أيضاً بعض الدروز المتشيّعين، أو المقربين من المؤسسات الأمنية التي تساهم بدورها في تسويق التشيّع، عبر التجنيد في كتائب رديفة لمليشيا “حزب الله”.

في شوارع المحافظة يمكن رؤية شبان دروز يرتدون بدلات “مارينز” صحراويّة، ويلصقون فوق سواعدهم شارات مليشيا “حزب الله” الصفراء. هؤلاء ليسوا الحصيلة النهائية للتشيّع، بل أحد وجوه الظاهرة، التي تحاول إعادة فرز مراكز القوى المسيطرة على هذه الجغرافيا المهمة المشرفة على العاصمة دمشق، وعلى جبهة الجنوب التي يسيطر على أغلبها الجيش الحرّ.

السويداء لا تزال تعيش قلقاً وجودياً لا ينتهي، لاسيما بعد تصفية قادة حركة “مشايخ الكرامة” في 4 أيلول/سبتمبر، بعدما كانت الحركة تشكّل معادلاً موضوعياً لتصويب انجراف القوى المحليّة الدينيّة والحزبية نحو ضفة نظامٍ همّشهم بقسوة طيلة نصف قرن من الزمن.

(المدن)

السابق
بالفيديو.. من قلب الضاحية: شيخ شيعي يكسر المفاهيم الخاطئة عند الشيعة
التالي
8 جرحى في حادث سير على اوتوستراد القاسمية صور