ذكرى عاشوراء (1): مناسبةُ لتغذية خطابِ الحقد والعنف والتعصّب والفتنة !

إنَ أحد معاني الثقافة هو أنها إرثٌ مشترك من القصص والحكايات والعادات والذكريات التاريخية المنقولة بشكل رئيسي عبر اللغة المشتركة . ويوجد عند معظم الجماعات، سلسلةٌ من القصص النموذجية التي تؤدي وظيفةً اجتماعية وتغذّي وحدة الجماعة وتضامنها، والتي يُقال أنّها حدثت بالفعل، ومن الضروري على الجماعة معرفتها.

تختلف القصص عن “التاريخ”، لأن ما يجري الحديث عنه، ليس سلسلةً من الأحداث التي وقعت “هناك” في “هذا” التاريخ بالذات، وإنما يجري الحديث عن أصل “الجماعة” وفصلها وهُويتها وخصوصيتها وكيفية نشأتها وتشكّلها ومصيرها.

وكي يتمّ الحفاظ على القصة (أو الحدث) التاريخية في الذاكرة الجمعية، تتحول الشخصياتُ الفردية التاريخية في هذه القصص، الى ” نماذج أولى”، الى أبطالٍ وقادةٍ ومقاومين ومنقذين ومخلّصين وأئمة وقدّيسين يملكون فضائل عليا وقيماً ومبادئ رفيعة، خاضوا صراعاتٍ مع الأعداء، وكافحوا من أجل تحقيق أهدافٍ ساميةٍ ونبيلة، واستخفّوا بالموت ورحّبوا به، إنتصاراً لقضيةٍ آمنوا بعدالتها وأحقيتها .

إقرأ أيضاً: كربلاء القضيّة.. لا الفتنة

105وما يهمّ ليس “القصة” أو “الحدث ” أو “الأسطورة”، وإنما كيفية “فهمها” أو ” تفسيرها ” أو “تأويلها”، الذي تستغلّه السلطاتُ والمؤسساتُ القائمة بكل أنواعها، لتفعيل خطابها الأيديولوجي وتعزيز ممارستها السياسية والسلطوية، وذلك من خلال إعادة ترميز تلك القصة وتشفيرها وإعطائها دلالاتٍ ومعانٍ جديدة تتناسب ومصالحها. وأيضاً من خلال تقديس “التجربة الأولى” وإعادة تمثيل أحداثها وتكرار طقوسها وشعائرها الدرامية، لأنّ تلك السلطات التي غالباً ما تدّعي أو تزعم أنها تبحث عن طرقٍ لرفع المظلومية عن جماعةٍ تعرّضت في زمنٍ غابر، للعنف والمظلومية من قِبٓل مجموعة من الأشرار، إنما تسعى في الحقيقة، الى كسب المزيد من الشرعية الشعبية التي لا تستطيع إمتلاكها أو الاحتفاظ بها، إلاّ إذا آمن واقتنع معظمُ أفرادُ الجماعة، بذلك الإدعاء أو الزعم، ووافقوا عليه ودعموه (الصهيونية ومأساة الهولوكوست ).

 

 

إقرأ أيضاً: لماذا لا يُحيي السنّة عاشوراء؟

 

عاشوراء

ولقد قامت الثقافة الشيعية على مرّ العصور، بتوظيف “معركة كربلاء” التي خاضها الحسين في وجه يزيد بن معاوية، والتي حدثت ضمن سياقات تاريخية معينة لها علاقة بالنزاع على الحكم والسلطة، وعملت على تأويل وقائعها واستثمار أحداثها الى أقصى الحدود، معتبرةً أنّ تلك المعركة هي التعبير الأكمل عن التضحية وبذل النفس والمظلومية، والنموذج الفريد الذي يصعب تكراره، والذي يختصر كل التاريخ الاسلامي، الى أن صارت في وجدان بعض الشيعة، رمزاً أبدياً ومقدّساً على “ثورة المظلوم على الظالم” و “يوم إنتصار الدم على السيف “. ومن رحم الإستثمار السياسي لأحداث تلك المعركة، خرجت الشعاراتُ التي تحمل دعواتٍ إنتقامية وثأرية، والكثيرَ من مشاعر الحقد المذهبي والكراهية والغضب على أشخاصٍ رحلوا منذ مئات السنين، وعلى مَن يتمّ تصنيفهم – من باب التزوير والتضليل – بأنهم أحفادهم وورثتهم أو مناصرون لهم عبر العصور، مثل : “لبيك يا حسين” و “لبيك يا زينب” و”هيهات منّا الذلّة”.

إقرأ أيضاً: التطبير بين امل وحزب الله… ويا ليت الحزب يطبّر

(يتبع)

السابق
أمانسيو أورتيغا.. أغنى شخص في العالم
التالي
كتلة «المستقبل» استنكرت هتافات «حزب الله» ضد السعودية