المستبد يفاجئه سقوطه!

هناك جرعات من الديمقراطية في الأنظمة العريقة في استبدادها. هي جرعات ضئيلة واضطرارية، ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها ودلالاتها، خاصة إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن الديمقراطية، حتى في الأنظمة التي تغلب عليها صفة الديموقراطية – من دون أن يعني ذلك خلوّها التام من النزوع إلى الممارسة الاستبدادية، فالديموقراطية نسبية بصرف النظر عن النسبة دائماً – كانت وتكون من إنجازات الشعوب، ولا تنجزها الأنظمة إلا بضغط الشعوب.

اقرأ أيضاً: مسؤوليتي عن خياراتي

والمراد هنا هو الضغط الواعي والمبرمج والتراكمي. في حين أن الأنظمة بطبيعتها وتركيبها ميّالة إلى الاستبداد. ويكاد يكون الاستبداد غريزة، أو هو الغريزة الأبرز في تكوين الحاكم أو الحكومة، أي حاكم وأيّ حكومة، وعلى أي مستوى من مستويات التنظيم السياسي والاجتماعي.
ولكن هذا لا يمنع من تسجيل نقطة في مصلحة النظام الاستبدادي، عندما يستجيب مضطراً إلى الإرادة الشعبية ولو في حدود! لأن في إمكانه دائماً أن يقمع ويمنع من دون أن يتمتّع ببصر أو ببصيرة كافية، لأن تظهر له مدى بشاعة مصيره ومآله في نهاية جولاته الاستبدادية. ذلك ان المستبد القائم على الكذب، يعود ليصبح ضحية الكذب الذي يحيط به من كل صوب، ومن القريب والبعيد معاً، لأن الصدق يصبح ضارّاً بالصادقين.
ولذلك، فالمستبد يفاجئه سقوطه، عندما يسقط، بعدما كان مصدّقاً أن الجماهير تعبده ولا تستبدل به إلهاً غيره. خاصة وأن صناديق الاقتراع في حالات الاستبداد الجمهوري المُزيّف والمُزيّف والمزوَّر والمزوِّر، تعطيه من النسَب في الأصوات ما لا يتأتّى لنبي من الأنبياء. قال بعض المشايخ: لا يتأتى حتى لله تعالى، أي إنه لا يحصل على ما فوق الـ95 و99%.

هاني فحص
إذاً، في إمكاننا أن نعطي درجة لبعض الأنظمة الاستبدادية والحكام المستبدّين، وحتى بعض الفاسدين منهم، ولبعض الأنظمة المتّهمة بقلّة فرص الحرية والديمقراطية التي تتيحها لشعوبها. وعلى الطريق، يمكن توجيه تحيات محدودة تناسب في حجمها وعمقها، حجم الإجراءات ذات اللون الديمقراطي وعمقها. كما حدث في المغرب أيام الملك الحسن الثاني، واستمر في عهد الملك محمد السادس، أي دخول المعارضة في الحكم من خلال وزارة عبد الرحمن اليوسفي، وما تبع ذلك من نسبة ديمقراطية في الانتخابات النيابية، وإطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين وسجناء الرأي. مع تحية تعظيم لليوسفي على انسحابه بعد فشله في الإصلاح، الذي بدا متعذّراً وقتذاك، إذ لا تكفي فيه النوايا والرغبات.

اقرأ أيضاً: ثقوا في المرأة

إنه التاريخ الذي جعله الربيع العربي يقترب من المستقبل، باستعجال الإصلاح الجادّ مع الملك محمد السادس، وإن كان غير كامل. وهو بحاجة ماسة إلى تفعيله على الأرض في سلوك الدولة وآدائها وسلوك المعارضة. سواء تلك التي أصبحت في السلطة أو تلك التي بقيت خارجها. لتقوم معادلة الحكم والمعارضة على نضج وعمق وتكامل وصبر وأناة، وحوار دائم بين الجميع.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
قتل زوجته الثانية وابنه بعدما ضبطهما معاً
التالي
هذا ما يبقى بعد مراسم عاشوراء