لبنان: تغيير النظام أم القيّمين عليه؟

بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالوصاية السورية في العام ٢٠٠٥، لم يتغَيَّر أي شيء يُذكَر في النظام. بنية النظام الهشة مازالت تتمدد حتى باتت اليوم أوسع من قبل، الأمر الذي يُعلِل بكل وضوح الأزمة التي نحن أمامها اليوم.

هذه الهشاشة في صلب النظام الطائفي تتفسر أيضًا بهشاشة وانتهازية الزعماء القَيمين عليه، الذين ما انفكوا يدفعون به من هاوية إلى أخرى أعمق من سابقاتها، فتشكيل الحكومات الذي يتم بالمحاصصة السياسية العالية الجودة كان فقط البداية لمسلسل عقم السلطة السياسية الذين نعيشه اليوم.
تُشكل المحاصصة في لبنان اليوم عصب الحياة السياسية، وينبثق منها فروع متعددة تدور بين المحاصصة الطائفية-السلطوية والمحاصصة المصلحية. تُعتبر المحاصصة الطائفية والتي تعتمد مبدأ “الستة وستة مكرر” (القسم المتعلق بتقسيمة النظام الطائفي الذي بُنيَ عليه لبنان الكبير منذ القرن إلا نَيِّف) هي مشكلة النظام الأساسية، ولكنها في الوقت عينه تشكل ضمانة للأفرقاء، ثُمَ عندما أتى إتفاق الطائف بصورة باب الحَل لهذه المحاصصة، إنقلب عليه كل من ورث لبنان بعد حقبة التسعين وبدون إستثناءات.
أما اليوم، فإن كل من إنتقد هذه التجربة الطائفية البحتة في السابق، عاد ليرسّخها فقط لأنها سبب في بعض مكاسبه السلطوية. هذا الكلام لا يلغي مبدأ إيماني بطبيعة المجتمع اللبناني الذي تتدفق الطائفية في عروقه، ولكني الآن لست ممن ينحنون لمُسلمات الخطأ كونه شائع ويتكرر، لذلك فإني لا أستطيع الإيمان أبدًا بأنَّ بنية النظام الحالية غير قابلة للتطوير لكي تصبح أكثر حداثة مما هي عليه. أما المشكلة الأساسية فباتت واضحة أمام الجميع، بأنَّ من يُعطِل قيام النظام هم مجموعة من القيمين عليه، يسبحون في بحرٍ من المحاصصة العلنية أمام الشعب اللبناني برمته فقط ليبقوا في السُلطة.
لقد ساهمت المحاصصة السياسية بفرض واقع المحاصصة المصلحية في مختلف جوانب السُلطة، فترى كل سياسي يسعى جاهدًا لتلزيم من حوله بعض المصالح والمشاريع على حساب الوطن والمواطن، مُستغلًا بكل بساطة طبيعة النظام المركزي الذي يُشكل هو أحد أعمدته الطائفية.

إقرأ أيضاً: شهيب يمهل حتى يوم الخميس
هذه القراءة في واقع السياسة اللبنانية تفتح أمامنا الباب طرح سؤال واضح حول كيفية التخلص من غطرسة القيمين على النظام السياسي، والجواب هو من خلال الإلتفاف على السُلطة وإعادة تنظيم بنيتها، من سُلطة مركزية يتحكم بها ملوك الطوائف، إلى سُلطة لامركزية مبنية على الخدمات المحلية التي تؤمنها الإدارات المحلية بمختلف مستوياتها.

إقرأ أيضاً: النفايات على طاولة الحوار وسلام عند تهديده بالاستقالة!

السابق
اعتصام أمام سراي النبطية:استمرار في الاضرابات والاعتصامات حتى إقرار السلسلة
التالي
الامين لنصرالله:خروجكم من القتال في سوريا هو خروج واجب من فتنة عمياء