اللبنانيون وليمة لأعشاب البحر (2): حكاية علي من لبنان إلى تركيا ثم ألمانيا

في الجزء الثاني من التحقيق الذي أعدته "جنوبية" عن هجرة اللبنانيين غير الشرعية إلى أوروبا بعنوان "اللبنانيون وليمة لأعشاب البحر (1): 1000 لبناني شقّوا البحر منذ غرق آل صفوان". هنا شهادات حيّة لمواطنين لبنانيين منهم من يرتب أموره للهروب، ومنهم من حالفهم الحظ ولم ينضموا إلى قافلة شهداء حلم أوروبا.

تتواصل الهجرة غير الشرعية من لبنان نحو أوروبا، إذ باتت هدفا للمغامرين بركوب “زوارق الموت”، من كل المناطق اللبنانية للهروب من واقعم الأليم وفقرهم، بحثا عن مستقبل مضمون في البلاد الأوروبية غير آبهين بطريقهم المحفوفة بالمخاطر التي قد تكلّفهم حياتهم.
إلاّ أنّ كل هذا لم يشكل رادعًا أمّا هؤلاء المغامرين فتفيد المعلومات أن نحو 1000 شخص غادروا خلال الأسبوعين الماضيين الى تركيا، إما عن طريق مطار بيروت أو مرفأ المدينة، وإن ما يقارب 500 شخص استحصلوا على جوازات سفر لبنانية للمغادرة خلال الأيام المقبلة.
ومنهم مواطن طرابلسي عرض سيارته للبيع كاتبًا عليها دون خشية من أحد «للبيع بقصد الهجرة على ألمانيا». “جنوبية” تواصلت مع هذا الشاب الذي فضل عدم ذكر اسمه، أكّد أن المسألة ليست مزاح قائلاً “لا مستقبل في لبنان يقولون إن هذه الهجرة غير شرعية لكنها إنسانيًا وان متّ على الأقل أكون قد بحثت على “مستقبل”.

إقرأ أيضاً: اللبنانيون وليمة لأعشاب البحر (1): 1000 لبناني شقّوا البحر منذ غرق آل صفوان

unnamed (1)“علي” مِن مَن حالفهم الحظ، أبحر ووصل بسلام إلى ألمانيا وهو مقيم هناك منذ حوالي شهر. وبحسب ما روى لـ”جنوبية” بدأت رحلته من لبنان حيث سافر بطريقة شرعية عبر مطار بيروت الدَولي إلى تركيا برفقة صديقه اللبناني الذي كان صلة الوصل بينه وبين المهربين في لبنان، وما إن وصلا إلى تركيا حتى تمّ التواصل مع الرأس المدبّر في تركيا. وأوضح علي أن” المهربين في لبنان يعملوا كوسطاء لدى مافيات في تركيا على مستوى عال، ويتابع في حال تعثرت مع “قاصد الهجرة” في مطار تركيا ما عليه إلّا أن يسأل عن كيفية الوصول إلى ألمانيا “وهونيك المهربين كتار وعلى المكشوف” .
أمّا عامر الطرابلسي الذي ترك زوجته وابنه في لبنان كانت طريقه محفوفة بالمخاطر، ففضلاً عن خطورة الطريق، وقع منذ وصوله إلى تركيا بأيادي مافيات النصب التي تتنافس فيما بينها على استحواز على أكبر عدد من المهاجرين. وبحسب رواية عامر الذي وصل إلى ألمانيا بعد معانات طويلة رافقته هو ورفاقه بالهجرة مع قطاع الطرق والمافيات التي استغلت غربتهم لسرقة ما بحوزتهم.

لكنّ علي كان منذ بادئ الأمر على تواصل مع المهربين في لبنان التي مهمتها فقط توصيله إلى تركيا وتأمين التواصل مع المافيا في تركيا وهنا ينتهي دورها وبالطبع هؤلاء السماسرة لهم حصتهم فيأخذوا كعمولة 100 دولار على كل فرد يقنوعه بمغامرة ركوب البحر. ويقول علي “قصدنا المهرب المقيم في فندق الذي أوصلنا بدوره إلى ازمير حيث نقطة الإنطلاق نحو جزيرة كوس في اليونان واستغرق الوصول اليها نحو ساعتين. ومن تركيا تبدأ رحلة الموت والانتقال من ميناء إلى آخر بقوارب مطاطية في الغالب وبأسلوب غير شرعي، محفوف بالمخاطر بقارب مطاطي يقوده المسافرون بأنفسهم وبالطبع معظم الركاب ليس لديهم أي خبرة بركوب البحر”.
وتابع علي “أنهم كانوا أربعين شخصًا على متن القارب علمًا أنه يتسع كحد أقصى الى 35- 38 شخصًا لافتًا إلى أن هذا الرقم لا يزال مقبولا مقارنة بتحميل بعض المافيات القوارب بما يقارب الـ 50 شخصًا هذا عدا عن حقائبهم وأغراضهم الشخصية وهنا يصبح احتمال الغرق أكيد”. وبحسب علي فإن “بعض المافيات تأخذ 900$ ومنها 1500 $ كلفة التهريب من تركيا الى اليونان. أما المرتاح ماديًا أكثر فبدل القارب المطاطي يبحر بواسطة الباخرة بتكلفة 1800 يورو”.
ويتابع علي “ومن اليونان تبدأ رحلة العذاب والقهر نحو المجر ومنها إلى دول أوروبا الغربية التي فتحت ابوابها انسانياً لاستقبال اللاجئين. ومن هناك تقلّ باخرة المسافرين إلى أثينا مقابل 50 يورو عن الشخص. اضافة الى ما يدفع من اكراميات بآلاف الدولارات لضمان الوصول الى ايطاليا أو بلغاريا بعد اجتياز مقدونيا وصربيا وهي تستوفى على طرق التهريب البرية وما يتخللها من صعوبات ومآسي علما أن ما من شيء مضمون غير الربح المادي لعصابات التهريب”.

ومن عمره طويل ووصل إلى المانيا يشعر بالفرق، فبين مخاطر الإبحار وذل الحياة الذي يمرّ بها المهاجرين كالانتظار في خيم التي لا تراعي أبسط المعايير الانسانية في اليونان، فيقول عامر إن “اليونان تعج بالمهاجرين والفنادق ممتلئة وصل بهم الحال إلى افتراش الطرق للنوم تحت الشتاء”.

إقرأ أيضاً: الأساتذة: السلسلة وإلا سنموت في قوارب الهجرة

وفي المانيا، بعد أن ينتهي الكابوس الهجرة يقول علي أنه “لا تفرقة بين الجنسيات فتجد السوري أو اللبناني أو الفلسطيني، أو العراقي أو الأفغاني، الألباني والايراني في ألمانيا وكل شيئ مجهز على أكمل وجه هناك انتظار بسبب الأعداد الكبيرة فأصبح تعدادهم نحو 48 ألف نسمة إلا أن الأمور ميسّرة. ويقول علي عندما ينتهي المهاجر من الاجراءات المطلوبة من فحوصات صور وتقديم طلبات اللجوء وأخذ البصمة، ينتقل من المخيمات إلى منزل تؤمنه السلطة الأمانية لشخصان فضلاً عن راتب أسبوعي يتراوح بين الـ 30 – 50 يورو لكل واحد إلى حين موعد المحكمة التي تقر اعطاء الإقامة على ثلاث سنوات لكن السوريين والعراقيين أكثر حظًا لذا يلجأ اللبنانيين إلى انكار هويتهم. وهنا يبدأ حلم الرفاهية راتب شهري ومنزل تدفع له اجاره الدولة الى حين حصوله على عمل. ولكن من يضمن!”

السابق
مصدر إيراني لـ«جنوبية»: الحرس الثوري يناكف الإصلاحيين بـ«الأمهات»
التالي
بالصورة: نجاد يبكي على مرافقه الذي قتل قبل أربعة أيام في حلب