واشنطن تودع العرب وتستقبل الايرانيين

ثلاث عبارات يمكنها اختصار المشهد في واشنطن، لمن يرغب في معرفة الموقف الاميركي من سوريا والمنطقة العربية عامة.

١ – واشنطن لن تواجه روسيا في سوريا

عمق الموقف الاميركي ليس معاديا للتدخل الروسي في سوريا، لم تقدم واشنطن الكثير من الدعم للمعارضة المسلحة، سواء اكانت معتدلة ام اسلامية متشددة في سوريا، وعلى الرغم من مطالبات كل انواع المعارضة (بما فيها تلك التي تنكر علاقتها بالولايات المتحدة، وتستعديها في العلن) الا ان الولايات المتحدة، وعلى الرغم من كونها الداعم الاكبر للفصائل السورية المعارضة، لم ترفع من حجم الدعم الا بمقدار.
لقد كانت الخطة الاميركية واضحة منذ اللحظة الاولى للتدخل الروسي. لا وبل كانت واضحة منذ الايام الاولى للثورة السورية العام ٢٠١١، لم يقل الرئيس الاميركي باراك اوباما عبارته الشهيرة “على الاسد ان يرحل” الا على سبيل مجاراة امر واقع، كان الروؤساء يسقطون في المنطقة العربية واحدا تلو الاخر، والرئيس الاميركي (الذي يرغب بان يكتب في التاريخ انه صانع سلام) اطلق جملته تحت ضغط داخلي، وتوقف عن فعل اي شيء.

٢- ايران حليف طبيعي

اكثر من ذلك، لقد كان الحساب الرئاسي دائما متركزا على ايران، ويقول احد المسؤولين الشبان في الادارة الحالية بان “ايران هي
الحليف الطبيعي والاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة” اضافة الى اسرائيل، وان المطلوب هو تجريد ايران من البرنامج النووي، وليس استفزازها لا في سوريا ولا في غير سوريا.
اما روسيا، فذلك شأن اكثر تعقيدا. الولايات المتحدة ليست في مرحلة حروب، لا باردة ولا ساخنة. الوقت وقت سلام هنا، والشبان اليافعون في البيت الابيض المحيطين بالرئيس الحالي لا يرغبون في لعب لعبة الدم، وربما تحت ضغط المزايدات المحلية، والحملات الانتخابية، يزودون المعارضة السورية باسلحة تسمح بالحفاظ على توازن ميداني، وتمنع انهيار جبهات الثوار السوريين.
اما القضاء على قوات الجيش الحر، الذي تحاول روسيا القيام به منذ ان بدأت غاراتها في سوريا منذ حوالي العشرين يوما (بداية شهر تشرين الاول) والجيش الحر اقرب القوى الى الولايات المتحدة، فتلك مسألة يمكن نقاشها في اوقات لاحقة.
يقدم الصحافيون الاميركيون اليوم الى قرائهم اخر اكتشافات العصر “في ايران شعب وثقافة وبشر”، بدأت منذ اسابيع قليلة موجة من التسويق لايران في الاعلام الاميركي، ساعدها دعوات ايرانية من شخصيات ووسائل اعلام وشركات ولوبيات بدأت تتشكل، او كانت الى وقت قريب معارضة للسلطة القائمة ولكنها دائما تشد على العصب القومي الايراني.
الاكتشاف الجديد يبدو وكأنه سيتحول الى موجة عارمة من الترحيب بعودة الابن الضال، ذاك الابن الذي انتفض على الشاه والان يعود الى سيرته الاولى، وموجة الترحيب لن تكون مشابهة باي شي لما حظي به العرب من علاقة مع الولايات المتحدة، لن تكون قائمة على قاعدة تدفق اموال عربية واحتقار اميركي متواصل.
وكون ايران حليف طبيعي، وحليف متزن كما يشهد الرئيس الاميركي باراك اوباما في احدى مقابلاته المتلفزة (بينما يبدو وكأن العرب ليسوا كذلك)، فما من داع برأي الادارة الاميركية الحالي لمواجهات تفصيلية، في سوريا وغيرها. المهم الا يتدفق المزيد من اللاجئين الى اوروبا، وان يتم حصر اضرار داعش داخل الصحن السوري، والابتعاد قدر الامكان عن العراق، وطبعا عن الغرب.

٣- قتال داعش وليس النظام

عدا برامج الدعم والتدريب السرية، وحماسة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لرحيل بشار الاسد واجراء تغيير في سوريا، فان الادارة الحالية لا ترى اي مصلحة لها في دعم المعارضة لقتال النظام السوري، ولا ترى ان موقفها المتناقض ما بين تصريحاتها المؤيدة لرحيل بشار من ناحية وموقفها الرافض لتقديم مساعدة جدية من ناحية اخرى، ادى (الموقف المتناقض) الى احباط كبير لدى القوى المكونة للثورة السورية وانتج اقترابا سوريا من الدولة الاسلامية والقوى المتشددة، وتهرب الفصائل من اعلان علاقتها بالولايات المتحدة سرا او علنا.

واشنطن
الرئيس الاميركي كما فريقه قليل الخبرة يعتقدون بعناد ان الاولوية لقتال داعش، وخاصة في العراق، وان سوريا ساحة يمكنها ان تساعد فقط في قتال داعش العراق، متجاهلين تماما سقوط الحدود بين الدولتين، لا بل يمكن ان تسمع في واشنطن من يتحدث عن “حماية الحدود السورية العراقية” على الرغم من سقوطها في كل مناطق سيطرة داعش، ومن هنا كان برنامج الدعم المعلن بقيمة نصف مليار دولار يتوجه الى قتال داعش، وانسحاب الكثير من المقاتلين من التدريب لرفضهم التوقيع على التزام يحصر قتالهم ضد داعش.
ومن هنا ستفشل سياسات اخرى تطرحها في واشنطن جهات محلية، تقضي بـ “هدنات محلية واسعة” مع النظام، في حمأة سعير الحرب والقصف الروسي ومحاولات النظام التقدم على اكثر من خمسة محاور رئيسية.
داعش هي ما يمكن ان ينتج دعاية سياسية متوافقة مع حملات الديموقراطيين للانتخابات المقبلة بعد عام، اما النظام، فذلك شأن شديد التعقيد بالنسبة للدعاية السياسية المحلية، لا احد من الكتل الناخبة للديموقراطيين يعلم ما هي سوريا، ولا احد سيصدق ان هناك بشر طبيعيين في تلك البلاد، وان اللاجئين يهربون من النظام ومن قصف النظام السوري وحليفه الروسي وليس من قتل داعش لبضعة عشرات او مئات من المدنيين.
“اذا اراد السنة والشيعة ان يقتتلوا، فليفعوا، نحن لا نشجع ذلك، ولكنه ليس من شأننا” هكذا بصلف يرى بعض المسؤولين الاميركيين ما يجري في المنطقة، وعلى الرغم من الانفتاح على ايران، ودعم الاكراد، وتمجيدهم، والتدخل في كل ما يجري واستبعاد الدوائر العربية، الا ان الادارة الاميركية تعتقد فعلا انها “لا تشجع الاقتتال المحلي المذهبي”.

(صحافة غير منضبطة)

السابق
عن «أشرف الناس»
التالي
التطبير بين امل وحزب الله… ويا ليت الحزب يطبّر