كربلاء القضيّة.. لا الفتنة

كربلاء لم تكن حادثة عابرة في التاريخ الإسلامي بل كانت مفصلاً ومنعطفا خطيرا أسّس فيه لعصر الفتن، وما زال أثرها يمتد إلى يومنا هذا، إذ خلّفت بعد موت الحسين شرخًا بين المسلمين. ومع إن الجميع يندّد بهذه الفاجعة و يجمع على مظلومية الحسين وأهل بيته إلّا أنه كان لا بدّ من نشوب نزاعات ونشوء مذاهب بسبب هذا الشرخ وما خلّفه من كراهية وعداء عند البعض.

مع بداية السنة الهجرية من كل عام، نكون على موعد مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين. ذكرى عشوراء محطة أليمة في تاريخنا الإسلامي  التي تجاوزت في ضروبها المأساوية ومضمونها المفجع حدّ  الإجرام في ظلم أهل بيت النبيّ.

لذا كانت كربلاء فاجعة عظيمة على كل المسلمين وأصبحت إقامة هذه الذكرى سنويًّا أشبه بتقليد  لدى الشيعة  لإظهار مدى فظاعة هذه الجريمة والتّنديد بها حتّى لا تتكرّر المأساة في حياة المسلمين وحقناً لدمائهم.  وتوالت عبر العصور حتّى ترسخت في عقيدتهم مئات السنين وهم يتقبلون التعازي باستشهاده وحزّ رأسه بعد محاصرته من جيش يزيد بن معاوية. مئات السنين لم تمنعهم من ارتداء الاسود والبكاء لعشرة أيام تبدأ في الأول من محرم من كل عام.

كربلاء لم تكن حادثة عابرة في التاريخ الإسلامي بل كانت مفصلاً وما زال أثرها يمتد إلى يومنا هذا إذ خلّفت بعد موت الحسين شرخًا بين المسلمين.

 

بين المبالغة   وبين إعطاء المناسبة ما تستحق من ذكرى مجيدة  تقع الطائفة الشيعية بفخ المبالغة مما يزيد من حدّة التعصّب والإنقسام بين المسلمين. علمًا أنه، لا يمكن تمرير ذكرى عاشوراء دون إحياء مراسيمها والحزن على مصاب الحسين كما الإستفادة من القيم الحسينية.

عاشوراء في باطنها، وإن أخذت عند البعض منحى تراجيديا بسرد وقائع مبالغ فيها في معركة كربلاء من جهة، أو المبالغة في كيفية إحياء هذه الذكرى من جهة الأداء والسلوك الذي لم يولّد إلا تعصّب  ونفورعند الطرفين والتي وُظّفت كما وُظِّف الخلاف الشيعي السنيا سياسيًا،   في حين  أن فاجعة كربلاء  تحمل في طياتها قيم ودروس وعبر لأجيال وأجيال يُكفى أن يستخلصوا منها  الغبر لتكون عقيدة بدلاً من أن تكون سبيلا لبث النعارات المذهبية والطائفية كما يعمد البعض.

الحسين لم يكن قدوة وحسب، بل كان مدرسة قائمة بذاتها. مدرسة اخلاق، اولاً ومدرسة علم ثانياً. ثم فوق هذا وذاك، كان الامام الحسين بن علي سيد الشهداء، بلاستشهاد في سبيل الحق، ونصرة الحقّ على الباطل. وهو اعظم درس يلقيه انسان على الدنيا، واكبر تضحية يقدمها في سبيل ارساء المثل العليا، واستمرار الحياة الفاضلة.

 

وفي هذه الأيام العاشورائية  تغلب كفة  المأساة والتراجيديا على  كفّة الإعتزاز بالتضحية والقيم الإنسانية وهذا لا يعني عدم الحزن على  مصابه.

فكانت سيرة  الحسين  منذ نشأ في أحضان الرسول ، حتى سالت دماؤه على رمال الصحراء مدرسة حية، ومثالية  للجميع وليست حكراً لطائفة واحدة، فكربلاء هي قبل كل شيء قضيّة انتصار الدم على السيف والحق على الباطل.

 

الحُسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي  (8 يناير 626 م – 10 أكتوبر 680 م)  حفيد  النبي محمد،  وهو الإمام الثالث لدى الطائفة الشيعية الشيعية. ولد في المدينة، ونشأ في بيت النبوة، وإليه نسبة كثير من الحسينيين. وبدأت القصّة عند موت معاوية بن أبي سفيان ، الذي خلفه ابنه يزيد وتخلّف حينها الحسين عن مبايعته ، ورحل إلى مكة مع جماعة من أصحابه، فأقام فيها أشهرا، ودعاه إلى الكوفة أشياعه فيها، على أن يبايعوه بالخلافة، وكتبوا إليه أنهم في جيش متهيئ للوثوب على الأمويين.

وأمام هذه الرسائل المتلاحقة، ووعود أهل الكوفة  بالنصرة والتأييد، استجاب الحسين لدعوتهم، وعزم قبل أن يرحل إليهم أن يستطلع الأمر، ويتحقق من صدق وعودهم؛ فأرسل ابن عمه “مسلم بن عقيل بن أبي طالب” لهذا الغرض. وما إن وصل إلى الكوفة، حتى استقبله أهلها بحماس بالغ وحفاوة شديدة، ولم يكن أمام “مسلم بن عقيل” وهو يرى هذه الحشود الضخمة التي أعلنت بيعتها للحسين إلا أن يكتب للحسين يطمئنه ويطلب منه القدوم، ويقول له: “بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف رجل فأقدم، فإن جميع الناس معك، ولا رأي لهم في آل أبي سفيان”.

ولما علم “يزيد بن معاوية” بما يحدث في الكوفة، عزل واليها “النعمان بن بشير” لتساهله مع مسلم وتغاضيه عما يفعله، وولّى مكانه “عبيد الله بن زياد” فحضر على الفور، واتبع مع أهل الكوفة سياسة الشدة والترهيب، واشترى ولاء بعضهم ببذل الأموال، فانفضت الآلاف من حول (مسلم) وتركوه يلقى مصرعه وحده، بعد أن قبض عليه “ابن زياد” وألقى به من أعلى قصر الإمارة فمات، ثم صلبه؛ فكان أول قتيل صُلبت جثته من بني هاشم.

 

خرج الحسين من مكة إلى الكوفة في 8 من ذي الحجة 60هـ، وعندما بلغ “القادسية” علم بمقتل مسلم وتخاذل الكوفيين عن حمايته ونصرته،فواصل السير حتى بلغ كربلاء على مقربة من الكوفة في (2 من المحرم)، ووجد جيشًا كبيرًا في انتظاره يقوده “عمر بن سعد بن أبي وقاص” في حين كان مع الحسين نحو ثمانين نفسًا، بعدما تفرق عنه الناس، ولم يبق معه إلا أهل بيته وقليل ممن تبعوه في الطريق، وعسكرت القوتان غير المتكافئتين في هذا المكان.

فنشب قتال عنيف، ومع هذا التفاوت فقد أظهر الحسين ومن معه ضروبًا من الشجاعة والإقدام، وتساقطوا واحدًا بعد الآخر وهم ملتفون حول الحسين، وتعدى القتل الرجال المقاتلين إلى الأطفال والصبيان من عِترته وآل بيته، ولم يبق إلا هو، يقاتل تلك الجموع المطبقة عليه، حتى أصيب بالجراح؛ فسقط  قتيلاً، ثم قطعوا رأسه الشريف وأرسلوا به إلى يزيد بن معاوية، ولم ينج من القتل إلا “علي زين العابدين بن الحسين”، فحفظ نسل أبيه من بعده.

دفن جسده في كربلاء واختلف في الموضع الّذي دفن فيه الرأس فقيل في دمشق، وقيل في كربلاء، مع الجسد، وقيل في مكان آخر، فتعددت المراقد، وتعذرت معرفة مدفنه. كان مقتله يوم العاشر من محرم  الموافق 10 أكتوبر سنة 680 ميلادية. ويسمى بعاشوراء وقد ظل هذا اليوم يوم حزن عند الشيعة.

السابق
المشنوق في ذكرى الشهيد الحسن: لبنان في خطر وكل المطلوب منا التواضع والتوقف عن الأوهام
التالي
مسيرة في عين الحلوة احتجاجا على الانتهاكات الاسرائيلية بحق الاقصى