المرشد و«القيصر» في «المغطس» السوري

«شمعة ع طوله فور دخوله «. هذا هو حال المرشد آية الله علي خامنئي بعد تقاسمه الارض السورية وفضاءها بينه وبين «القيصر« فلاديمير بوتين. لم تسقط طائرة سوخوي روسية حتى الآن، في حين سقط للمرشد الجنرال حسين همداني القائد الميداني في «فيلق القدس» الذي يرأسه الجنرال قاسم سليماني. من مآثر همداني انه قاد عملية قمع المتظاهرين في «الانتفاضة الخضراء» عام 2009 بعد ان جمع من مدينته همدان خمسة آلاف مقاتل. والجنرال فرشاد زاده والكولونيل حميد مختار بند وقائدان من «حزب الله» هما حسن الحاج «ابو محمد الإقليم» ومهدي حسن عبيد وخمسة من المقاتلين. من الصعب جدا ان يقتل كل هؤلاء القادة في معركة واحدة، مما يسمح بالتساؤل عن حقيقة ما جرى. لذلك يجوز الفصل بينهم استناداً الى معلومات مصادر متقاطعة:

[ حُمّل الجنرال همداني فشل الجنرال سليماني الذي أخذ القرار بتشكيل فيلق سوري على مثال الحرس الثوري الإيراني قبل عامين. وقد تبين أنه لا يمكن مقاتلة المجموعات المقاتلة من المعارضة بمجموعات مماثلة، خصوصا ان الجيش السوري قد انهك من القتال. المهم في كل ذلك ان النقاش وصل الى القمة في طهران خصوصا ان المرشد لم يتحمل الفشل في معركة «المربع الأخير» في سوريا. واستكمالا لذلك صب غضبه على الجنرال طائب مسؤول فرع الأمن في الحرس الذي كما يبدو لم يرضخ ورد على المرشد رافضا تحميله المسؤولية لأنه، اي المرشد، يتابع تفاصيل الحرب في سوريا بشكل مستمر، ولأنه من الصعب بل من المستحيل تحميل الجنرال سليماني المسؤولية فقد ألقيت على كاهل همداني. الباقي وهو كيفية مقتله وتفاصيل ذلك، لا يعود مهما. المهم ان ما حدث سيكون له ترددات ونتائج داخل الحرس، والاهم ان المرشد خامنئي ادرك هزيمة استراتيجيته في سوريا فأرسل سليماني الى «القيصر« حيث جرى تقاسم الارض والسماء بينهما، مع ما يعني ذلك من تقاسم للقرارات وللنتائج والنفوذ.

[ جنرالات ايران و«حزب الله« لم يقتلوا في المعركة، وإنما في عملية قصف مركزة على غرفة العمليات وهو أخطر وأهم لان معنى ذلك ان المجموعة التي قصفت كانت تملك احداثيات الموقع بدقة. السؤال كيف تم ذلك وبأي مدفعية جرى القصف المدمر؟ الجواب لاحقاً لأنه يحدد مساراً جديداً للمعارك القادمة، ورسالة قوية وواضحة موجهة للإيراني ان الميدان السوري مفتوح امام كل الاحتمالات، خصوصاً ان المصادفة نادرة في وقوع هكذا عملية.

في قلب الاتفاق الإيراني – الروسي تكمن خلافات متبادلة وداخلية . رغم النفي المتبادل فان نزول موسكو في «المغطس» السوري يضعف ايران وموقعها في التفاوض لان عليها القبول بالشراكة الروسية، والاخطر ان تقسيم سوريا الى دول او «كانتونات« او ولايات سيكون على حساب ايران التي كان مشروع المرشد الحفاظ على كامل سوريا تحت هيمنته، تحت عنوان فضفاض «الممانعة والمقاومة«. الى جانب ذلك فان تقسيم سوريا يحمل في طياته «قنبلة موقوتة«، لان التقسيم سيدفع الى انهيار «احجار الدومينو»، ذلك ان كل دولة وضمنها إيران وتركيا تتوافر كل الأسباب والشروط فيها للتقسيم. لذلك بدا لافتاً حديث المرشد و»مذياعه العسكري» الجنرال نقدي عن خطر «الحرب الناعمة« في الداخل الإيراني وعلى الحدود.

ان نزول ايران على الارض بعدة آلاف جندي من «الحرس« عبر مطار» الباسل» في اللاذقية، قد يكون بداية لا يمكن وقف تضخمها لأنه متى تدحرجت « كرة الثلج« لا يمكن وقف تدحرجها حتى وصولها الى الوادي، لذلك بدا النائب بروجردي مشككا تاركا امر وصول الجنود الإيرانيين معلقا على طلب سوري علما انه كان قد التقى الرئيس بشار الاسد قبل ذلك بقليل. ان مثل هذا القرار لن يمر بسهولة حتى لو بقي النقاش في الدواوين المغلقة ولو الى حين، ما يؤكد ذلك ان «القلعة« هاشمي رفسنجاني تحدث بإسهاب وباعتدال يؤكد فيه انه صوت العقل في السلطة عن «الحوار« مع السعودية وقد تبعه فورا الوزير جواد ظريف اذ قال «ليس من مصلحة ايران ان تخسر السعودية ولا تحقق مصلحة السعودية بخسارتنا». ظريف بهذا الكلام يصيغ معادلته المفضلة (وهي حكما معادلة الرئيس حسن روحاني) التي نفذها مع المفاوض الأميركي «ربح- ربح«.

سوريا القديمة انتهت حكماً. لا أحد يمكنه رسم سوريا الجديدة. من المؤكد ان الجميع اصبح يعرف ويلمس ان «النار» السورية بدأت تهدد العالم. حل «ربح – ربح» ما زال في إرهاصاته الاولى. أولى مظاهره القناعة الكاملة بعدم إمكان اي طرف فرض ارادته على الآخر خصوصاً اذا كان هو صاحب الارض.

الدليل الأكبر ان الفلسطينيين يقاتلون بالحجارة والسكاكين أقوى جيش دون ان يتراجعوا طلبا منهم لحقهم بالأرض والكرامة والحريّة.

(المستقبل)

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 16 تشرين الأول 2015
التالي
تأخير التطبيع الأميركي الإيراني