ما نطلبه من إيران

هاني فحص

إنّ المراقب المعني في المشهد العربي، وبعلاقات إيران المعقدة به، يرى من واجبه مصارحة إيران بأنها ملزمة ومضطرة إلى التقاط اللحظة والمؤشر في دقة أكبر، خاصة في لبنان، وأن تتصرف في شجاعة وثقة، لا في قوة فقط، وأن تُبادر إلى التشجيع والحماية والرعاية لحوار جادّ، لا ينتظر نهايات الواقع المعقّد في سوريا والحامل لكل الاحتمالات.

اقرأ أيضاً: هاني فحص: رحلة العاملي بين النجف وقم.. استقرت في بيروت

يعني ذلك أن ترعى حلاً تاريخياً وسطياً وعميقاً بين كل الأطراف اللبنانية الفاعلة، في السلطة وفي المعارضة. بحيث ننتهي معاً إلى حفظ الدولة بالمقاومة وحفظ المقاومة والتحرير بالدولة الجامعة وحفظ السلاح المقاوم، بالاتفاق على دوره الوطني المقبل في سياق الدولة، لا في وجهها وحفظ كل من مكوِّنات لبنان بالمكون الآخر.

على إيران أن تتصرف بشجاعة وثقة في لبنان، لا في قوة فقط

وفي تقديرنا، أن هذه المهمة أجدى لإيران ولنا، لأنها تعمّق دورها برضى لبناني وقبول وتشجيع عربي، بدل أن يبقى الاختراق والنفوذ هو الهدف والغاية أو الوسيلة، لأنه يرتب عليها وعلينا من الخسائر، ما يزيد على أي ربح محتمل، ويحوّل قوة إيران عبئاً عليها وعلينا.

هاني فحص والخميني

إننا في حاجة ماسة إلى أن تصل إيران إلى قمة نفوذها وحضورها بالشراكة مع العرب، وإلى حساب المشترك معها، وأن الأسلم والأضمن لمستقبل الدور الإيراني في المنطقة، على تقدير بقاء النظام السوري، وأكرر – للمرة الألف – ولا أدري كيف يبقى ولماذا؟ وعلى تقدير زواله، بعد زوال رموزه، هو التفاهم العميق بين اللبنانيين كل اللبنانيين وكل العرب.
إني أنطلق، في هذا التوجه، من شعوري بالمسؤولية كمواطن لبناني عربي ومسلم وشيعي. إنني معنيّ بالوفاق لا بالشقاق، وبالنجاح لا بالغلبة، وبالشراكة لا بالتفرد، وبالاندماج لا بالفصال، وبالتسليم بأن أي حضور إيران في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً، هو واقع لا مجال لإنكاره، ولا يكفي استنكاره لتصويب مفاعيله الخطرة، بل يمكن التعامل معه بواقعية وشجاعة وصراحة من اجل توظيفه في نظام مصالحنا المشتركة، وإبعادنا عن صراعات جديدة لا يستفيد منها إلا الأعداء.

المهمة الأجدر لإيران تلك التي تعمّق دورها اللبناني بتشجيع عربي

إن التكامل بين إمكانات العرب، من الرياض إلى القاهرة وما في محيطهما، وطموحات إيران وتركيا، المعدلة لدى الطرفين عن زمان الامبراطوريات، ومن دون ضرورة لخيانة الذاكرة، ولا لإحالة المستقبل على الماضي. هذا التكامل الذي يقوم على ضبط الاختلاف، يتقدم وينمو على أساس توسيع المشتركات، واكتشاف مشتركات وضرورات جديدة.

اقرأ أيضاً: السيد هاني فحص … ممثل الله في الجنوب

وهذا التكامل هو الضامن لمستقبل الجميع، وهو الكفيل بتحويل احتمالات الفتن وتبادل الخسائر حتماً ومن دون فائدة، باتجاه الموازنة بين خسارة وخسارة، إلى مفاصل ومحطات للتفاهم والتضامن والتقدم. وهذا التكامل يحتاج إلى حكماء وحكمة وشجعان، من أجل تثقيفه والشروع في تحقيقه. والحكماء الشجعان متوافرون في كثرة، فلماذا يتأخرون مجتمعين عن هذا الأمر العظيم؟

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
أفغانستان وسوريا (3): الروسي في الفخّ الأميركي مجددًا؟
التالي
إيران وروسيا يتقاتلان سرًّا في سوريا!