حكي جردي: سيرة «ناقصة» لوزير داخلية

نهاد المشنوق
(من جديد، تعذر نشر حكي جردي هذا الأسبوع بسبب تلوث هواء بيروت، فاقتضى نشره هنا).

في السيرة الذاتية الموجودة على موقع وزير الداخلية نهاد المشنوق المولود في العام 1955 نقرأ أنه عمل في الإعلام المكتوب بين عامي 1975 و1983، أي لمدة ثماني سنوات، تنقل عبرها بين ثماني مطبوعات، ليترك بعدها العمل الصحافي ويعود إليه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان أواخر نيسان 2005 -عبر جريدة السفير- حتى سنة 2009 تاريخ انتخابه نائبا عن بيروت ضمن لائحة آل الحريري.

من الواضح أن الوزير نهاد المشنوق لم يسع يوما لأن يكون صحفيا همه كشف الحقائق وتنوير الرأي العام بقدر ما كان يبحث عن منفذ له إلى عالم السياسة عبر الإعلام اللبناني المكتوب الذي كان يدور دائما في “فلك السلطان”، الدليل على ذلك كثرة المطبوعات التي عمل فيها وتخليه لاحقا عن هذه المهنة في العام 1983 عندما أدخله رئيس الوزراء الراحل تقي الدين الصلح تحت “عباءته” وصار من فريق عمله، وبناء عليه نقرأ في السيرة الذاتية ل “معاليه” أنه من مؤسسي اللقاء الاسلامي -العام 1983- الذي ترأسه المفتي المُغتال حسن خالد والذي كان عبارة عن لقاء أسبوعي لرؤساء الحكومات والوزراء والنواب السنة، أي أن لا دور للمشنوق فيه إلا تدوين المحاضر –بأحسن الأحوال- بناء لطلب مشغّله الرئيس الصلح، علما بأن ذلك اللقاء تأسس لما كان العدو الصهيوني يحتل مساحات كبيرة من لبنان، ورفع الصوت مناديا بإنهاء الهيمنة السورية عليه بينما تجاهل في الوقت نفسه الدعوة لمقاومة المحتل وإخراجه بكل الطرق الممكنة وفي مقدمتها العمل العسكري.

بين توقف الوزير المشنوق عن العمل الصحافي في العام 1983 ورجوعه إليه في بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان عقدين ونيف من السنوات، عودته جاءت عبر جريدة موالية لسوريا في وقت كان فيه الشارع اللبناني –ولاسيما السني- يغلي بسبب الاتهامات التي وجهت في ذلك الحين للنظام السوري، أفردت له الصحيفة صباح كل اثنين صفحتها الخامسة بالتمام والكمال -كانت تفعل ذلك مع كتاب بوزن محمد حسنين هيكل- حيث كان يتجول “قارِّياً” عبر مقالاته المتنوعة في ظل قيام مجهولين بفتح الكثير من الابواب العربية والدولية امامه وتسهيل دخوله اليها، وكأنَّ المطلوب هو تلميع صورته وتقديمه كرجل فكر وحوار كي يلعب لاحقا ادوارا سياسية كان آخرها -وليس أخيرها- منصب وزير الداخلية الذي ما كان للنظام السوري وحزب الله أن يقبلا به لولا تثبّتهم من “كفاءة” الرجل.

إقرأ أيضًا: نهاد المشنوق هل أزاح فؤاد السنيورة من الصورة؟
السبب الحقيقي الذي حمل إدارة جريدة السفير على إفراد هذه المساحة الكبيرة للمشنوق القادم من خارج معسكر اصطفافها السياسي يبقى محيّرا، من المستبعد أن تقدم على ذلك من دون نيل الموافقة السورية، وإذا تأملنا في بعض المعلومات التي تحدثت عن قيام الوزير المشنوق بنسج علاقات مهمة مع رجال أمن وسياسة خلال فترة إقامته في باريس والقاهرة بين عامي 1998 و2003 قد يصبح من السهل فهم السر الكامن وراء اختياره ودفعه إلى الواجهة، لاسيما وأن البعض تحدث عن قيام مدير جهاز المخابرات العامة المصرية الراحل عمر سليمان بتزكيته عند السوريين ونصحهم به في تلك المرحلة بعد أن حصل على موافقة سعودية مسبقة.

قبل شهرين تقريبا، خاطب الوزير نهاد المشنوق زميله وزير الخارجية جبران باسيل أثناء انعقاد مجلس الوزراء قائلا “لو كان التمثيل بالأحجام لكان أغلب المسؤولين غير موجودين، أنت تعلم ذلك وأنا أعلم ذلك.. ليست أسماؤنا التي أحضرتنا هنا بل من هو أكبر منّا..”
في السيرة “الناقصة” لهذا الوزير أنه أقدم خلال خمسين يوما مضوا على قمع أنبل وأشرف حراك شعبي شهده لبنان في العقود الأربعة الماضية ضد هذا النظام الطائفي الفاسد، وأنه شابه بهذا الفعل المنحورين غازي كنعان ورستم غزالة، وأنه ما كان ليتجرأ على ذلك لولا ذلك الاجتماع الذي حصل ذات ليل ثلاثاء –بمعرفة معلمه الرئيس سعد الحريري- بينه وبين ممثلين عن حزب الله عند رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.

للأمانة، ليس هو من قام بذلك، بل “الأكبر منه”.

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأثنين في 12 تشرين الأول 2015
التالي
اللحظات المصيرية في ١٣ تشرين.. ابو جمرا ومعلوف «هكذا انتهى كل شيء»