السيناريو الروسي: فترة التدخل 4 أشهر لإعادة تعويم الأسد!

رلى موفق

المُشترَك الوحيد بين الروايات حول أسباب التدخّل الروسي في سوريا, هو تَـيَـقّن الكرملين من أن نظام حليفه الرئيس السوري بشار الأسد بات مهدداً بالانهيار. وسواء كانت سوريا هي التي أرسلت طلب الاستغاثة أو كانت إيران هي التي فعلت، فإن الهدف من طلب التدخل هو منع النظام من السقوط بشكل مفاجئ، الذي كان ليصيب - في حال حصوله - المصالح الروسية في الصميم، سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، ويزيد من محاولات إضعافها ومحاصرتها، في ظل اقتناع موسكو بأن تحريك الغرب للورقة الأوكرانية وإشغالها بها كان من الأثمان التي دفعتها جرّاء موقفها في سوريا وتمسكها بالأسد كجزء من الحل في أي تسوية.
وتدل الغارات الجوية بوضوح، في أيامها الأولى، واستهدافها بشكل شبه كلي للمعارضة السورية التي تقاتل النظام، على طبيعة المعركة وأهدافها. فتلك القوى العسكرية المُستهدَفة روسياً هي التي أوقعت هزائم قوية في الأشهر الماضية بقوات النظام بإخراجها من محافظة إدلب شمالاً والسيطرة على «جسر الشغور»، بما يشكله من نقطة استراتيجية فاصلة في المعارك، وكذلك تراجعها في محافظة درعا جنوباً، وحتى ترنحها طويلاً وحلفائها من ميليشيات «حزب الله» في معركة الزبداني المحاصرة، والتي كانت تعتبر بالمفهوم العسكري منطقة ساقطة، فإذا بها تصمد لأشهر وتدخل باب التسويات لا الانتصارات المحققة. ويؤشر إعلان قوات النظام بدء معارك برية لاستعادة منطقة سهل الغاب الحيوية بغطاء جوي روسي على وظيفة التدخل الروسي الأساسية، بحيث لا يأتي استهداف التنظيمات الإرهابية في الأولوية، وإنْ من الأهداف المعلنة، وهو يشكل جزءاً من التوظيف في الداخل الروسي، حيث يرتفع منسوب القلق من التنظيمات الإسلامية المتشددة القادرة على استهداف روسيا ومناطق نفوذها، لا بل تشير بعض المعلومات إلى عمليات أمنية نُفذت في الآونة الأخيرة وبقيت بعيدة عن الإعلام.
في المعطيات التي نقلها دبلوماسي روسي لزواره أن تحرّك موسكو يحظى بما يمكن اعتباره «تفهماً أوروبياً» بدعم الماني، ولا سيما أن برلين باتت قلقة من موجة نزوح اللاجئين السوريين إلى أراضيها، وما يمكن أن يُخلّفه ذلك من مخاطر أمنية عليها. والخطوة الروسية كانت جزءاً من المباحثات الأخيرة في «قمة النورماندي» في باريس حول الأزمة الأوكرانية، التي جمعت قادة روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا. بدا أن معادلة أوكرانيا – سوريا كانت حاضرة بقوة. الأزمة الأوكرانية ستشهد مرحلة من تجميد التصعيد العسكري والحلحلة السياسية. وفي رأي المراقبين أن هذا الانفراج المرتقب في أوكرانيا ما كان ليتحقق لولا قبول أو غض طرف أميركي، مرحلي على الأقل.
أما في الأزمة السورية، فإن السيناريو الروسي يتمحور حول فترة تدَخّل تستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، يأمل من خلالها بوتين إعادة تعويم الأسد من خلال تأمين حماية ما بات يُعرف بـ «سوريا المفيدة»، وهي مناطق الساحل السوري التي لا يزال النظام يسيطر عليها - حيث النفوذ العلوي والقواعد الروسية - وربطها بالعاصمة. هذا التعويم هدفه، من وجهة النظر الروسية، تحقيق توازن أو ضغطاً يجعل معه بالإمكان دفع كل الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى تسوية سياسية على أساس مرتكزات «جنيف1» الذي اختلفت التفسيرات حول ما إذا كان يتضمن وجود الأسد في المرحلة الانتقالية أم لا.
في التقييم الدبلوماسي الروسي لمحاذير التدخل، ثمة تيقظ من أن تتحوّل سوريا إلى «أفغانستان 2»، ويُعبّرون عن هذه اليقظة بتحديدهم للمدى الزمني للتدخل، وسط  قناعة بأنهم قادرون، خلال تلك المدة، على إنجاز أهدافهم من دون أن ينجرّوا إلى مستنقع أفغانستان، الذي خبروه في ثمانينات القرن الماضي. على أن اللافت في المقاربة الروسية هو الكلام عن «تحييد ما» للأتراك أو الاعتقاد بإمكانية ذلك، وعن تجاهل، في الحسابات، لأي رد فعل مؤثر، خليجي وسعودي تحديداً، فيما التنسيق جارٍ مع الإسرائيلي على حماية مصالحهم.
الحذر الروسي يطال واشنطن وحدها، فأميركا بالنسبة لهم هي الخطر الذي يخشونه. والخشية تنطلق من عدم وضوح الرؤية الروسية بكيفية الرد الأميركي. ومن هنا، يعود هاجس الخطأ في الحسابات، وأن يتحوّل التدخل إلى ورطة وإلى الغرق في مستنقع شبيه بـ «مستنقع أفغانستان». قلق يدفع بالدبلوماسيين الروس إلى القول أن الوقت هو العدو الفعلي، وأن موسكو لا بد من أن تُنجز عملية تحصين الأسد والنظام سريعاً، وأن تتولى عملية الترتيب لطاولة الحل السياسي بضمان الإتيان بالأسد إلى طاولة المفاوضات في غضون الأشهر الأربعة المحددة، قبل أن تنفلت خيوط الخطة من يدها.
فموسكو اندفعت عسكرياً إلى المنطقة مستفيدة من تردد «سيّد البيت الأبيض» وتلكؤه وانكفائه، ومن ذعر أوروبي من خطر الإرهاب الذي يدق أبوابها ومخاطر النزوح السوري الذي سيُغرق بلدانها، بما يحمله من أعباءٍ سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، في حسابات لها بُعدها الداخلي حيث تواجه روسيا أزمة اقتصادية خانقة، وحيث يواجه «سيّد الكرملين» عزلة دولية وضغوطات وتحدّيات على مستوى قدرته القيادية وحماية مصالح روسيا الاقتصادية حيال مستقبل الغاز الروسي بفعل مخاطر مشاريع مدّ الأنابيب المطروحة عبر الشرق الأوسط التي تشكل بديلاً أوروبياً عن الغاز الروسي، وسط ارتفاع الحديث عن فشل الصفقة الروسية لمد أنابيب إلى الصين. حسابات تشكل جزءاً من أبعاد التدخل الروسي، الذي ترى موسكو أنها حَمَتْ معه حضورها على شرق البحر المتوسط ومصالحها المستقبلية ودورها كلاعب أساسي في المنطقة. لكن ذلك يبقى مرهوناً بما ستظهره التطورات المقبلة لجهة ما إذا كان بوتين قد خاض معركة مدروسة أم مغامرة غير محسوبة!

(اللواء)

السابق
سليماني لـ«القيصر»: أنجدنا وإلا خسرنا معاً الأسد وسوريا!
التالي
معلمة تشرح الدروس من خلال جسدها