الحراك بين مطرقة 8 و سندان 14

الحراك المدني
بمراجعة بسيطة لمواقف كل المسؤولين عن تردي الأوضاع من وزراء ونواب وأحزاب وسماسرة، لم يستطيعوا إلاّ الإعتراف بأحقية المطالب وبالتالي بالحراك. وبدهاء 8 آذار وحماقة 14 آذار، يبقى القول إن الحراك نجح الى حدّ بعيد في خلق واقع جديد فرض على الطرفين وإن بشق الأنفس.

ما تشهده بيروت من تجمعات إعتراضية أطلق عليه اصطلاحا إسم الحراك، هو لا شكّ من حيث المبدأ مظهر من مظاهر العافية والدينامية في أي مجتمع يتمتع بالحدّ الأدنى من الحيوية، ويعاني أقلّ بكثير مما يعاني منه الإجتماع اللبناني.

هذه البديهة كان أقرّ بها حتى من هم مستهدفون بشكل مباشر وصريح من وراء الحراك، فبمراجعة بسيطة لمواقف كل المسؤولين عن تردي الأوضاع من وزراء ونواب وأحزاب وسماسرة، لم يستطيعوا إلاّ الإعتراف بأحقية المطالب والتسليم بأنّ ردة فعل الناس ما هي إلاّ انعكاس طبيعي لما أنتجته هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمعترفة بفسادها وتكيل الإتهامات بعضها لبعض.

فريق 8 آذار

هذا الفريق بكل متشعباته متضرر حتمًا من الحراك، إن بشقه الفسادي أو بخلفية محض سياسية كما هي حال حزب الله،  فالأول منه غارق كما غيره في نهب المال العام، من خلال صناديق التنفيع أو بمشاركته الفعلية بكل الحكومات المتعاقبة منذ الطائف وإلى اللحظة وهذا معروف للقاصي والداني. أما استنفار حزب الله وتوجسه من هذا الحراك فيكمن أولا بانكشافه أمام جمهوره الذي يعاني كبقية اللبنانيين، وبالتالي رفع الصوت واتهامه على الأقل بالتقصير الى حدّ السكوت والرضى والتواطؤ عن كل ما يجري بالبلد من سرقات ونهب من قبل حلفائه المقربين فضلا عن خصومه… وبالتالي اعتباره شريكا حقيقيا في تردي الأوضاع والقول إن ادعاءه بعدم المشاركة المباشرة في الصفقات لم يعد يقنع جمهوره كما باقي اللبنانيين.

هذا أولا أما ثانيا، فإن حزب الله يعتبر أنّ الاوضاع السياسية التي تمر بها البلاد والفراغ المؤسساتي وتدمير بنية الدولة  هي اليبئة المثلى لمشروعه كدويلة بديلة، ففي مثل هذه الاجواء يستطيع أن يمارس كل ما يُطلب منه ايرانيا بدون بذل أي جهد تبريري يذكر. فهو الآن يعلن العداء للسعودية مثلا بدون الشعور بالحاجة لتقديم الأعذار، فلا ضرورة لا إلى مزارع شبعا سعودية ولا للدفاع عن مقام مقدس فيها لأنه لا يسأل عما يفعل اصلا. وبالتالي فإن الحراك يمكن أن يضعط باتجاه المساهمة بتعديل أو تصحيح هذا الواقع السياسي وما هو عليه وهذا ما لا يرغب به الحزب.

أمام هذه الوقائع عمد هذا الفريق الى محاربة الحراك بكل ما اوتي من قوة ودهاء، إن من خلال التخوين والاتهام بالعمالة على جري العادة، كما كانت الحال في البدايات واعتبار الناشطين عملاء للسفارة الامركية ويتحركون بالايحاء منها، أو من خلال العمل الكثيف على محاولات ركوب موجة الحراك من خلال دفش أحزاب وشخصيات وتظهيرهم في إعلامه على أنهم قادة ميدانيين من أجل توظيف الحراك بما تشتهي سفنهم. هذا فضلا عن اللجوء الى العنف أيضا من خلال التدخل المباشر وإثارة المشاكل وفرض أو منع شعارات.

كل هذه المقاربات يقوم بها هذا الفريق، مع الاحتفاظ لنفسه  بكل ذكاء بمسافة يبدو معها الظهور المخادع أنه غير معني بتاتا بمطالب الحراك إن لم نقل إنه يتبجح ليلاً ونهارًا بأنه حريص كل الحرص على تبني مطالب الحراك متمنيًا وصوله الى نتائج محمودة.

فريق 14 آذار

يعتبر هذا الفريق بغبائه السياسي المعهود أنّه هو وحده المستهدف، وأن الفريق الآخر هو المحرك لأوجاع الناس، لأن البلد ماشي ولا يوجد أي مبرر لقيام الناس. فلا يستحي أن يطلق كل أبواقه لمهاجمته، فتتحول بالنسبة له وسط بيروت من مركز للمجلس النيابي وقصر حكومي إلى إنجاز لرفيق الحريري ولا شغل عند هذه الجموع الغاضبة إلا تخريبه! هذا الفريق الذي يحاور صاغرا من يتهمه بقتل قادته يريد من بعض الشباب المنتفض أن ينزع سلاح حزب الله وإلاّ فإنه مشكوك بأهدافه! ولا ننسى في هذا السياق اسلوب الاستجداء الذي برع فيه بعض “صقور” هذا الفريق عبر تقديم فروض الطاعة أمام الفريق الآخر من أجل مآرب شخصية. فقد استطاع تيار المستقبل أن ينصّب نفسه بكامل إرادته تيار الفساد الأول وبالتالي العدو رقم واحد للحراك.
فبين دهاء 8 آذار وحماقة 14 آذار، يبقى القول إن الحراك نجح الى حدّ بعيد في خلق واقع جديد فرض على الطرفين وإن بشق الأنفس. ولا خيار عند اللبنانيين الطامحين لاحداث ثغرة في جدار المعاناة إلاّ الاستمرار ودعم الحراك والنزول إلى الشارع ولو كره الكارهون

السابق
متظاهرو الحراك المدني امام الداخلية يطلقون شعارات مطالبة بإطلاق الموقوفين
التالي
إصابة 3 اشخاص بجروح في ضهر القضيب إثر تدهور سيارتهم