«داعش» بين الإدانة و«الإقرار» السكوتي

العالم العربي مشغول كثيراً هذه الأيام بما يجري في سوريا من ثورة وحرب وإرهاب وتدخّل خارجي عسكري وسياسي. ومشغول أيضاً بحرب اليمن وبضحاياها المدنيّين الذين قارب عددهم الخمسة آلاف منذ نشوبها قبل نحو سبعة أشهر. ومشغول ثالثاً بحرب العراق التي بدأت ربيع 2003، ولم تنته بعد. ومشغول رابعاً بحرب ليبيا. ومشغول خامساً بتحول الصراع السياسي والثورات “الشرعية” صراعاً بل حرباً مذهبية بين السنّة والشيعة تتوسع باطراد داخل العالم العربي، وقد تنتقل إلى العالم الإسلامي الأوسع. ومشغول سادساً بالإرهاب الذي تمارسه تنظيمات إسلامية أصولية متطرّفة جداً معظمها سنّي، إذ أنه أساء إلى الإسلام وصورته أولاً عند المسلمين، وثانياً عند غير المسلمين في العالم. كما أنه جعل المجتمع الدولي يخاف منها لا بل من الإسلام الذي هو في الأصل دين تسامح ورحمة. والانشغال الأخير هذا يقلق دولاً مسلمة وجهات “إسلامية” عدة، ذلك أن التنظيمات المشار إليها يتوسّع انتشارها داخل المجتمعات الإسلامية في العالم كله. ومن شأن ذلك إدخال المجتمعات غير المسلمة في صراع حاد مع المسلمين بل مع الإسلام ديناً ودولة ومجتمعاً وحتى مذاهب. ومن شأن صراع كهذا ضرب الاستقرار العالمي لسنوات كثيرة.
القلق المشار إليه دفع جهات تنتمي إلى ما يسمى “الإسلام السياسي” غير “الجهادي” إلى درس الظاهرة التي أدت اليه وإلى البحث عن الوسائل الكفيلة بإضعافها وبالحدّ من تأثيرها.
هل توصّلت هذه الجهات إلى استنتاجات تشرح الأسباب والدوافع وتقترح الحلول؟
المعلومات المتوافرة عن حركتها تشير إلى أنها تحمِّل “الإسلام السياسي غير الجهادي” مسؤولية عدم إعلان موقف صريح وثابت من التنظيمات “السلفية الجهادية المتطرّفة” يدين وفي صورة حاسمة العنف والإرهاب اللذين تمارسهما.
طبعاً وجّه “الإسلام” المذكور نقداً لبعض ممارسات “داعش” لكنه لم يعلن صراحة أنه تنظيم إرهابي بعيد من صحيح الإسلام، واكتفى برفض العنف من دون التطرّق إلى ممارسيه. وهذا الفعل في الفقه الإسلامي يُطلق عليه اسم “الإقرار السكوتي”، إذ يوفّر للتنظيم “الغطاء الشرعي” وإن من دون إعلان رسمي. أما أسباب “الإقرار السكوتي” فكثيرة أبرزها:
– تفوّق “داعش” على التنظيمات الإسلامية الجهادية وغير الجهادية بسيطرته على مساحات واسعة من أراضي المسلمين بواسطة العنف وإعلانه دولة الخلافة.
– وجود مصالح لتنظيمات الإسلام السياسي غير الجهادي تدفعها إلى عدم إظهار العداء السافر لـ”داعش” وأمثاله. فهو يمثِّل خط الدفاع الأول عنها، ولا يوجد أي تناقض مباشر بينها وبينه. ويرفض أعضاؤها بل قواعدها توجيه ضربة عسكرية إليه، وخصوصاً من قبل جهات غير مسلمة مثل أميركا ومن يشابهها.
من هي التنظيمات الإسلامية السياسية التي توجِّه اليها الجهات الإسلامية، التي قامت بدرس الوضع الإسلامي، النقد ضمناً وعلانية؟
“جماعة الإخوان المسلمين” تكاد أن تستأثر بالانتقاد. ذلك أنها لم توجه إدانة صريحة وقاطعة لـ”داعش” على رغم اعتبار الشيخ القرضاوي إياه ارهابياً. كما أن “إخوان” الأردن كانوا غامضين في بيانهم يوم حرق الطيار الكساسبة، وإخوان مصر شبَّهوا ما يقوم به “داعش” بفضّ اعتصام رابعة العدوية في القاهرة عام 2013. لكن الجهات نفسها أشارت إلى تأثيرات إيجابية لكل ما جرى ويجري على عدد من التيارات السلفية. فهذه الأخيرة دخلت العملية السياسية. كما أن “الدعوية” منها قد تطرح نفسها بديلاً مقبولاً بسبب بعدها عن العمل السياسي والحزبي، وبسبب قبول أنظمة إسلامية لها رغبة منها في ترسيخ أركانها “الشرعية”.
هل المراجعة التي أجرتها تنظيمات إسلامية سياسية غير جهادية شافية ووافية؟
لا شك في أنها جريئة، لكن بدا واضحاً أن الهدف منها النيل من “الإخوان” وليس البحث عن معالجة جذرية لـ”الإرهاب” باسم الإسلام الذي يمارسه “داعش” وغيره. وهي بذلك تقدِّم خدمة إلى أنظمة معينة، وتدفع “الإخوان” كي يصبحوا إرهابيين بدلاً من استيعابهم. فالمعالجة الجذرية تكون بمحاولة شاملة يرعاها الأزهر الشريف لتبيان الخطأ من الصح في الخطاب الإسلامي للمتطرّفين الجهاديين، وربما لفرز الغثّ من الثمين في الكثير من الموروث، والقرآن الكريم خارج البحث طبعاً، وذلك تلافياً لتكرار ظاهرة “داعش” مستقبلاً أي بعد سنوات أو عقود أو حتى قرون. إذ أن هناك علماء “معتدلين” يرفضون تكفير “داعش” وغيره على رغم “ممارساته”. (ملاحظة: أنا لبناني عربي ديانتي المسيحية ولا يمكن أن أكون “إخونجياً”).

(النهار)

السابق
ألاسد طلب مساعدة روسيا لمواجهة النفوذ الايراني ؟
التالي
روسيا وورطة الجيش الحر