رغم تصاعد المواجهات في القدس المحتلة وارتفاع حدة المواجهات بين الصهاينة والفلسطينيين وما رافقه من تدمير منازل واعتداءات وإرتفاع عدد كبير من الشهداء، وكلهم من الشباب الصغار اليافعين في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى اليومين، إلا ان الإعلام اللبناني كرّس وقتا اكبر لتغطية مسألة إلقاء القبض على ناشط في حملة #طلعت_ريحكتم سجنته القوى الأمنية لبضع ساعات، إضافة الى تصريحات النائب ميشال عون الذي أصيب بالمرض نتيجة كبر سنّه على ما يبدو، أكثر مما كرّست وقتها للحديث عن الإنتفاضة الجديدة في الضفة!
لبنان صار بلداً خارج السياق العربي، إلا ما حشره به حزب الله في سوريا واليمن والبحرين، والا فلا قضية عربية تشغلُه. فهل بات اللبناني يعيش في قوقعة أين منها قوقعة البزاقة التي تعتقد أن العالم كله ينتهي عند غطائها المتماسك والقاسي.
في محاولة للتركيز على “الستاتيكو” اللبناني نجد ان لكل لبناني هرما سياسيا يتبعه، ولكل لبناني حيّا يضمّه وجماعته، ولكل لبناني إعلامه، ولكل لبناني عطله وأعياده الخاصة التي لا يتشارك فيها مع غيره، لدرجة ان بعض المدارس لا تلتزم بعطل رسمية لأنها تخصّ طوائف أخرى.
ولكل لبناني مطعمه ومكان نزهاته وقد كان وسط بيروت يجمع الكلّ إلا أن الامر وصل الى مرحلة باتت حديقة الحرش مثلا عصيّة على أبناء الضاحية مثلا خوفا من استفزاز متبادل. ولكل لبناني مدارسه وجامعاته التي بلغ عددها منذ بضعة أسابيع 45 جامعة إن لم تكن أكثر.
ولكل لبناني “موتور” اشتراك، وبائع مياه، وتعاونيته، ولكل لبناني موظف داخل الإدارات العامة يساعده على الفساد الذي – وللمفاجأة – أن تهم الفساد تطال السياسيين فقط بعد الحراك الشعبي المستجد، وكأن السياسيين الفاسدين لم يكونوا أداة بيد الناس لتنفيذ ما يطلبون.
ولكل لبناني زعيمه الفاسد الذي يدافع عنه بطريقة متعاكسة كالضوء في المرآة، أي أن المواطن الفاسد يرفض توجيه التهمة لزعيمه صاحب نعمته الذي يرشيه. والزعيم الذي يظهر بمظهر المدافع عن الطائفة يرفض تهمة الفساد بداهة.
ولكل لبناني دواليبه التي يحرقها في الشارع إحتجاجا وإعتراضا.. لدرجة ان بعض المواطنين من الشمال رفضوا نفايات الضاحية؟ وبعض اهل الضاحية رفضوا انقطاع الكهرباء مقابل توفرها 24 على 24 في طرابلس.
لكل لبناني زعيمه الذي أخطأ وإنقلب وغيّر.. لكن أزلامه دوما يبررون له أفعاله بحجج مضحكة ويطالبون بمحاسبة زعيم الطائفة الثانية.
ولكل لبناني بلد “يتعامل” معه، فتهمة العمالة موزعة مناصفة بين اللبنانين والحمدلله.
ولكل لبناني راتبه الخفيّ الذي يتقاضاه من مكان ما.. ولكل لبناني فلسفته في “القبضنة” و”القوة” و”الزعامة”، فالجميع يتصل بالضابط الفلاني والنائب الفلاني ليعفيه من غرامات مخالفاته التي تشكل عامود الخزينة لو تم تحصيلها.
ولكل لبناني مسؤوله الذي يلفّ قصره بالحراس، ويمنع صغار مناصريه حتى من الإقتراب من حائط السور العالي.
ولكل لبناني فتات أرباح الزعيم الذي يعقد باسم شعبه الصفقات السياسية والاقتصادية في مجال التنمية ويحوّلها لهم الى مؤسسات باسمه فقط لا باسم أحد من رعيته حتى.
يموت الفلسطيني ألف ميتة في اليوم، ولكن اللبناني لا يسمع، ولا يرى، ولا يفهم. لماذا لأن الزعيم لا يهمه أمر فلسطين، فلا حرب مذهبية فيها، ولا حرب نفط ولا حرب أحلاف إقليمية أو دولية..
لم يطلب السياسي اللبناني تدّخل الطيران الروسي، ولا الطيران الأميركي خلال العدوان على غزة ولن يطلبهم أبدا. والغريب أنّ المعركة في سوريا أنّها تتسع والسوري صار خارج ارضه، فهو إما في البحر غريقا، أو في الكنتونات الأوروبية مشردا، أو في لبنان وبقية الدول العربية ذليلا.
في حين أنّ الشعب الفلسطيني لا زال في الضفة والقدس الشرقية وغزة وهو الأولى بإشعال حرب عالمية لأجله طالما أنّ “المقاومين” يقولون إنّ داعش هي وليدة اسرائيل… أليس الأولى محاربة رأس الأفعى قبل ذنبها؟
