حلقة مفقودة بين عمرين…

إمرأة
المتفائلون يرددون المثل الشائع "عمر الخمسين يا زهر البساتين"، اما المتشائمون فيرون ان وصول الانسان الى هذا العمر نذير بداية افول وغياب، غير ان بادية فحص لها رأي آخر.

تكتب… عزيزي داروين: أنا الآن في قلب “الحلقة المفقودة”، تلك التي قلت إنها تتوسط الانتقال من طبيعة القرد إلى طبيعة الإنسان.

أنا الآن عالقة في هذه الحلقة. لكن يا عزيزي، أظن أن انتقالي ليس تطورا، كما أنه ليس انحدارا، إنما تحول من كينونة إلى أخرى. أنا في وسط حلقة الانتقال من طبيعة البشر إلى طبيعة الحجر، أتحضر لوداع الأربعين والدخول في الخمسين.

يكتب داروين: “أنت تقفين على أعتاب الخمسين؟! إذا، أنت تصعدين نحو القمة”.

لكن، مهلا، قبل أن يراودك حلم ما. في الخمسين، القمة هي النهاية. أنت الآن تصعدين لتنتهي، لتهوي لا لترتقي، كمن يصعد إلى قمة بركان ليلقي بنفسه في جوفه.

لا بد أن أوصيك عزيزتي، ألا تبتئسي كثيرا، لا تنسي أنك هويت قبل الخمسين بكثير، أنت لم تكوني يوما خارج الهاوية، حتى إنك لم تفكري بالخروج منها قط، لم يكن لديك وقت لتفكري.

في الهاوية تلك، تخففت من كل الأثقال التي حمّلتك إياها حواسك. الهاوية جعلتك تكتشفين أن بصيص الأمل خدعة بصرية، فتصالحت مع العتمة. وأن للروائح وقع السياط على الذاكرة، فأغلقت فتحتي أنفك بسدادة النسيان. في الهاوية عرفت أن الأصوات لا قيمة لها، كان ارتطام الأجساد التي تهوي من حولك، يحدث ارتجاجات وارتدادات، وكنت تحسين بها، فما حاجتك للسمع؟ في الهاوية لا مساس، لا يلتقي في الهاوية اثنان، ولا يتقابلان. الهاوية خط وهمي واحد، بلا اتجاه، غير مقيد بزمان ولا مكان. الهاوية تربة يسكنها غرباء، إذا تلامسوا تلاشوا، وإذا تآلفوا تصبح مكانا. في الهاوية حيث لا تخلّف الأشياء طعما مرا ولا حلوا، ولا بينهما، أدركت أن أكثر المذاقات رسوخا هو العدم، وأنك لست مجبرة على المواءمة بين التناقضات لتصنعي بداية أو نهاية، في الهاوية لا مذاق للحياة سوى العدم.

إقرأ أيضاً: نساء يطرزن الحنين بخيوط الأمل
إمرأةإذا، الفرق يا عزيزي، بين الهاوية التي أعيش فيها والأخرى التي أتحضر للانتقال إليها، هو الصعود؟ ألا ينطوي الصعود على معنى إيجابي تعويضي؟ أليس في الصعود عزاء للقابعين أبدا في القعر؟

عزيزتي…وأنت مدفوعة للصعود نحو مرحلة جديدة من عمرك، لا تحسبي أن كل جديد جميل! العمر سلّم، حجري، مثل السلم الذي يتوسط بيتك، الذي تصعدينه طلبا للراحة بعد نهاراتك الحافلة بالتعب والعتب، مع الأيام سيتحول صعوده إلى مشقة، تسلبك لذة الوعد بالراحة.

لكن العمر سلم من ريح أحيانا، أحيانا نحن فيه، غيم، الريح تسافر بنا من سماء إلى أخرى، حاملين في أحشائنا مطرا، ووعودا بالرواء والخضرة، وأحيانا نكون فيه فيئا نظلل أحلاما وقبلا ومواعيد، وأحيانا أخرى نتحول إلى جداول تتهادى على مر الفصول والحقول في رقصة أبدية من السماء إلى الأرض، من الأرض إلى السماء.

العمر سلم، وأنت في منتصفه. فحاذري من الاستغراق في المنتصفات، إنها لعنة، لا كينونة في المنتصف. العمر بداية ونهاية فقط، وما بينهما هراء وخداع، فتحاشي المكوث طويلا في الأمل، لئلا يختلّ توازنك فتلتهمك نار الندم، كما تلتهم حلقة اللهب لاعب السيرك.

عزيزتي…لقد حاربوني كثيرا عندما قلت إن حياة الأنثى تنتهي عند اقترابها من سن الخمسين، لأنها تصبح في حكم المتوفية، بسبب انتهاء مهمتها في الحياة، وهي الإنجاب- الإنجاب بكل معانيه! أنظري حولك الآن، ألا تجدين أن مهمتك انتهت؟ أحببت وكرهت، تعلمت وعملت، حملت وأنجبت، حظيت بصداقات كثيرة وبخيانات أكثر، نسجت آمالا ووعودا وأحلاما لا تحصى، وحصدت خيبات لا تنسى، فماذا تتوقعين بعد؟ ماذا تنتظرين بعد؟ أليس ما بقي تكرارا مضجرا؟

أنظري إلى وجهك في المرآة، ألا ترينه ينكمش مثل حبة برقوق مجففة؟ وجسدك يتهدل مثل قماش حساس بعد الغسيل؟ ألا تشعرين أن قدراتك النفسية والجسدية والعقلية كلها تتراجع، تتضاءل، تفقد طاقاتها على التحمل والتفاعل والمواجهة؟ لا يغرّك الحديث أن لكل عمر رونقه. كل شيء حولك مازال محتفظا بعافيته، كلهم بخير، انت فقط لست بخير!

إقرأ أيضاً: سارة الأمين والباقيات الصالحات…
بعد قليل، حتى الصعود نحو قمة العمر سوف ينهكك، وسوف تضطرين للزحف، لن تصبحي عجوزا فقط، إحساسك بالعجز الذي رافقك معظم حياتك، سوف يضاعف صعوبة تقبلك لواقعك الجديد، فعجلي برسم نهايتك ما استطعت!

السابق
إبداعات في الرسم
التالي
بالفيديو.. مقتل 4 أشخاص في حادث سير مروّع على طريق نهر الموت