بالإذن.. في البؤس الممانع

لم تعمّر طويلاً همروجة الممانعة عن الاستعراض العسكري الروسي في الشمال السوري، وخصوصاً في شأن اعتباره خلطاً خطيراً للأوراق، وكسراً لموازين القوى في الميدان، وتكريساً لـ»انتصار» بشار الأسد بعد أن «غيّر» الغربيون موقفهم وقبلوا ببقائه في المرحلة الانتقالية!

الإبهام الموازي للارتباك في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية إزاء التحرك الروسي وملحقاته السياسية المتعلّقة بـ»دور» الأسد هذا، انتهى في نيويورك، أقلّه في الشأنين السياسي والإعلامي من خلال المواقف الواضحة التي أطلقها الرئيس الأميركي وغيره من القادة الغربيين والتي أكّدت استحالة الجمع بين أمرين في شأنين: شأن الحرب على «داعش» و»السكوت» عن مصير الأسد، أو القبول بأي دور له في مستقبل سوريا. وشأن الحل السياسي «بمشاركة» الأسد! بحيث ان «الحل» و»الاسد» نقيضان لا يجتمعان!

يجادل أهل الضمير في سوريا وخارجها، بأن ذلك في جملته، أي كل المواقف التوضيحية المضادة للتحرّك الروسي والهوى الإيراني الممانع، لا يعني في المحصّلة تحركاً حاسماً لإيقاف النكبة عند حدودها الراهنة.. بل لا يعني عملياً وميدانياً الشيء الكثير للقوى المعارضة لجهة التسليح النوعي، أو لجهة فرض منطقة حظر جوي في الشمال (الشرقي)، لكن الآتي من الأيام، قد يغيّر الكثير في هذه المسلّمات الكئيبة!

والفضل الأول في ذلك، ليس سوى للرفيق بوتين دون سواه!

صحيح أن مأساة اللجوء الذي انفجر في أوروبا، حفّزت الغربيين على تصعيد وتيرة «النقاش» مع الطرف الأميركي في شأن الوضع السوري. وصحيح أن قصة «محاربة الإرهاب» تقرأ بجدية أكبر مما سلف، لكن الأصح هو أن الروس كبّروا حجر المناورة (العسكرية) الى حدّ عدم قدرة الآخرين على تجاهله ودفن الرؤوس في الرمال إزاءه، وذلك، استدعى ويستدعي، العودة إلى التشدّد سياسياً وإعلامياً (في شأن الدور المزعوم للأسد) وفتح الباب جديّاً أمام توسيع الفرضيات القائلة بضرورة القيام بـ»شيء ميداني» مؤثّر، قد يكون الجنوب المتصل بدرعا مسرحاً له!

والواقع، أن لا شيء دل ويدلّ في هذه المرحلة، على مدى تأصل البؤس عند أهل الممانعة، أكثر من أيام نيويورك الأخيرة: لم يقتصر الأمر على تصحيح المواقف الغربية وعودتها إلى مربع الموقف المبدئي الأول من الأسد واستمراره، بل راح إلى ما هو أكثر مرارة، من خلال «التوضيحات» التي أطلقها «الرفيق بوتين» شخصياً، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر، أن بلاده «لم تنزل في سوريا كي تقاتل فيها»! بل تبيّن أكثر من ذلك، أن الحجّة المتعلّقة بقتال «الإرهاب الداعشي» ليست بدورها سوى جزء من تلك الهمروجة الإعلامية التي لا تعني شيئاً ميدانياً.. بحيث إن وزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس لم يتردد أمس تحديداً، في انتقاد موقف موسكو في هذا الشأن، ودعوته إيّاها الى «إقران القول بالفعل»!

وللتذكير فقط، فإن البؤس الممانع، بكل مراتبه وأصنافه، السياسية والإعلامية، وصل إلى حد إعلان قيام «تحالف» محارب، يضم إيران وروسيا والعراق والأسد و»حزب الله» دفعة واحدة؟ ولم يخجل أهل البؤس هؤلاء، في سياق اعتمادهم التحريف والتخريف إلى حدود الهستيريا، في تغييب الموقف البوتيني من إسرائيل! بل وتحريفه بطريقة لا تليق سوى بالمهرّجين!

.. كان محقاً، من افترض منذ البداية، أن الاستعراض العسكري الروسي، يؤكد العجز عن وقف الانحدار السلطوي الأسدي، ويعطي إشارات واضحة الى تحسّب من انهيار سريع ومفاجئ لبقايا تلك السلطة في دمشق، ويحضّر بالتالي، البنية الدفاعية للمعقل الأخير في الشمال (الغربي) السوري… صحّ النوم!

(المستقبل)

السابق
نصرالله ونتنياهو في نفس الغرفة!
التالي
إعلان لحمالات الصدر ينتهي بمفاجئة غير متوقعة!!