أوباما يخيّـر بوتين بين «صفقة» سورية… و«أفغانستان جديدة»

التصعيد العسكري الروسي أعاد «الملف السوري» إلى رأس جدول أعمال الدول الكبرى وأعاد خيارات عدة الى الطاولة. القراءة الأولية في عواصم غربية لخطوة الرئيس فلاديمير بوتين كانت مرتبكة. استدعى ذلك تنسيقاً بين الدول الغربية الداعمة للمعارضة السورية عبر جولة قام بها وزير الخارجية جون كيري ولقاءات اوروبية وإقليمية – غربية قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة الرئيسين بوتين وباراك اوباما.

أسفرت هذه الاتصالات عن افكار رفعت الى اوباما كي يضع بوتين بين خيارين: الانخراط والعمل معاً بحثاً عن حل سياسي بالتوازي مع تحالف ضد «داعش» او الاستعداد للتصعيد العسكري واحتمال تحويل سورية الى «افغانستان جديدة» لروسيا.

يقوم الخيار الأول على تقديم «صفقة كاملة» تتضمن ثلاثة عناصر سياسية وأمنية وعسكرية تنطلق من تفاهم أميركي – روسي مدعوم من الدول الإقليمية الحليفة لكل طرف. يتضمن «تجميد» الصراع ورسم خطوط القتال وتعريفها بحيث تضغط موسكو على النظام لوقف «البراميل المتفجرة» على المدنيين ومناطق المعارضة و «وقف العمليات الهجومية» من قوات النظام ومقاتلي المعارضة وإبقاء كل طرف في مكانه. ويسمح هذا الأمر بإدخال المساعدات الإنسانية وترميم البنية التحتية وإعادتها، اضافة الى ظهور قيادات محلية ضمن سياق يسمح لها بالمشاركة في انتخابات محلية وبرلمانية لاحقاً.

العنصر الثاني في هذه «الصفقة»، التفاهم على «الانتقال السياسي» ما يتضمن بقاء الرئيس بشار الأسد «خلال مرحلة التفاوض» التي يمكن ان تستمر حوالى ستة أشهر قبل بدء «المرحلة الانتقالية» التي تستمر حوالى سنتين، يجري فيها تشكيل «هيئة انتقالية بصلاحيات واسعة» تشرف على مؤسسات الجيش والأمن، مع إصلاح وإعادة هيكلة ودمج فصائل معارضة، من منطلق البناء على «تجميد» القتال وازدهار الخيارات المحلية. هنا جرت مناقشة افكار عدة للمزاوجة بين مقاربتي من «تحت الى فوق» و «من فوق الى تحت». اقصى حد من اللامركزية من دون الوصول الى التقسيم. بقاء القوات النظامية في اقليم يمتد من دمشق الى الساحل ووجود للمعارضة في مناطق اخرى. وتقاسم النظام والمعارضة لحلب. وكيفية وجود ممثلين لكل الأطراف في دمشق وحلب، لمنع تكريس التقسيم… رمزياً.

يتعلق العنصر الثالث، بتشكيل «حلف ضد داعش» عبر المرور من مجلس الأمن، بحيث يتضمن تعاوناً أميركياً – روسياً في هذا الحلف «من دون ان ينص صراحة على شراكة مع القوات النظامية»، بل ان تجرى الإشارة الى الاكتفاء بتعاون كل طرف «مع شركاء محليين». وفي هذا التفاهم، تجرى المزاوجة بين الاقتراح الروسي لإصدار قرار دولي وتوسيع القرار ليشمل هذه العناصر الثلاثة والهروب من سعي موسكو إلى «شرعنة الجيش النظامي بوضعه الحالي».

ضمن هذا السيناريو، تأتي اجتماعات اللجان الأربع التي اقترحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا واقتراح تشكيل «مجموعة اتصال» دولية – اقليمية للاتفاق على المبادئ السياسية التفصيلية، وتقديم مقترحات عملية لترجمة هذه التفاهمات الأميركية – الروسية ومخرجاتها دولياً وإقليمياً في تصورات تفصيلية للمرحلة الانتقالية بكل العناصر والآليات العسكرية عبر خطوط القتال.

ويُعتقد بأن تصريحات مسؤولين غربيين مثل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل وإقليميين مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول بقاء الأسد في بداية المرحلة الانتقالية كانت جزءاً من الإشارات الموجّهة إلى بوتين قبل اجتماعات الجمعية العامة، خصوصاً ان هذه التصريحات جاءت بعد جولة كيري ولقاءاته الأوروبية. كما أن أوباما أبدى استعداداً للعمل مع روسيا وإيران لحل سوري مع معرفته ان اميركا «تدرك» عدم قدرتها على حل مشاكل العالم وحدها. عملياً، أقدمت الدول الداعمة للمعارضة على خطوة أخرى تمثلت في «تجميد» معركة السعي إلى السيطرة على درعا البلد، كي تكون إشارة إلى موسكو بوجود هرمية للقرار في «الجيش السوري الحر» في الجنوب وقدرة غرفة العمليات الغربية في الأردن على ضبط عمليات «الجيش الحر»، اضافة الى التلويح بـ «تجميد» برنامج تدريب المعارضة المعتدلة ضد «داعش». أكثر من إشارة للفت انتباه بوتين للرقص معاً.

الخيار الثاني، الذي درسته دول غربية بالتنسيق مع واشنطن، يقوم على احتمال فشل خيار الانخراط مع بوتين، أي التصعيد العسكري. فرض منطقة آمنة في شمال سورية كأمر واقع من مقاتلات التحالف الدولي – العربي مع احتمال توسيعها لتشمل مدينة حلب ومناطق في ريف ادلب، اضافة الى منطقة مشابهة في جنوب سورية قرب حدود الأردن. ولم تكن صدفة ان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اكد لرئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو دعم خيار المنطقة الآمنة. وفي حال تعذر ذلك، يطرح خيار «منطقة حظر القصف»، ما يعني استخدام معدات عسكرية في البحر المتوسط لتوجيه ضربات الى اي طائرة او مروحية تقصف مناطق المعارضة شمال سورية. في هذا ايضاً، استعداد عسكري للذهاب الى تصعيد مشابه لما حصل بعد التلويح بالخيار العسكري بعد استعمال السلاح الكيماوي نهاية ٢٠١٣.

كما اقترحت بعض الدول رفع مستوى دعم المعارضة وتزويدها «اسلحة نوعية» كانت محظورة منذ فترة. وطرح في احد الاجتماعات موضوع «الإفادة من تجربة أفغانستان»، في إشارة الى تسليم صواريخ «ستينغر» لمقاتلين أفغان لإسقاط مروحيات الاتحاد السوفياتي. وجرى تداول مقترحات لزيادة موازنة ودعم البرنامج السري الذي تشرف عليه «وكالة الاستخبارات الأميركية (سي أي ايه) في دعم المعارضة السورية. حصل هذا التداول مع إدراك الحذر الروسي بعدم الرغبة في نشر قوات برية في سورية… وتجنب مهمة انزلاقية وتصاعدية.

وبالنسبة إلى قتال «داعش»، يعني فشل الانخراط استمرار أميركا بقيادة التحالف وشنّ عمليات في شمال سورية وشمالها الشرقي واحتمال بدء روسيا بشن غارات على مناطق اخرى بالتعاون مع القوات النظامية وبتنسيق مع العراق وإيران. هنا، يجرى حديث عن ما يشبه «منافسة» بين التحالف الدولي – العربي لاستعجال السيطرة على الرقة عاصمة «داعش» في شمال شرقي سورية وبين روسيا والقوات النظامية للسيطرة على تدمر الأثرية وسط البلاد. ان يلجأ كل فريق الى نصر معنوي ورمزي في الحرب ضد «داعش» كغطاء لفرض أجندته.

بالنسبة الى الدول الغربية، طرح موضوع دعم «التحالف السوري – العربي ضد داعش» الذي يضم ٢٥ الف مقاتل كردي وخمسة آلاف عربي للسيطرة على الرقة، فيما سعت موسكو الى كسب قلب «وحدات حماية الشعب» الكردي في هذه المعارك. كما جرى اقتراح تغيير آلية عمل برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية بحيث يجرى التركيز على الإفادة من المقاتلين المتدربين في تحديد مواقع «داعش» التي يمكن استهدافها. وجرى «تجميد» في هذا البرنامج بعد تسليم مقاتلين تدربوا على أيدي الأميركيين، سلاحهم الى «جبهة النصرة». هناك خطة لتعديله مع استمرار تدريب ٨٥ مقاتلاً في الأيام المقبلة بعد تخريج ٧٥ مقاتلاً قبل ايام، اضافة الى دفعتين ضمت الأولى ٥٤ والثانية ١٢.

التلويح بخيار التصعيد، بدا في عودة خطاب أوباما ودول غربية وإقليمية للحديث عن ضرورة «تنحي الأسد» عسكرياً او سياسياً بعد القمة الأميركية – الروسية. وبدا هذا في اجتماع «النواة الصلبة» لمجموعة اصدقاء سورية بمشاركة تسع دول بدلاً من ١١ بعد «إبعاد» مصر وإيطاليا بسبب «انحيازهما» الى دمشق.

مسؤول غربي رفيع يعتبر بعض التصعيد تفاوضياً مع اقتراب الجلوس الى الطاولة بعد تمكن بوتين من التحكم بمفاصل النظام، اضافة الى حديث في اروقة البيت الأبيض على رغم تردد اوباما، عن ان مواجهة بوتين تتعلق بـ «هيبة أميركا» ودورها على الساحة الدولية. سورية كانت المكان الثاني بعد اوكرانيا الذي يتحدى بوتين فيه ادارة اوباما في سنتها الأخيرة. بعدما كانت سورية مرتبطة بأجندة ايران المتعلقة بالعراق ولبنان والخليج، ربط الكرملين سورية بأوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا والعزلة الدولية على بوتين وانخفاض اسعار النفط. بوتين يريد التفاوض مع اوباما. رفض لقاء قادة أوروبيين آخرين.

حرّك بوتين جنوده على رقعة الشطرنج الدولية وبدأت مقاتلاته الحربية بقصف مناطق المعارضة وسط سورية. وهو يعرض على اوباما التعاون في سورية بعد القبض على مناطق النظام وسمائه مقابل ثمن يحصل عليه في النظام الدولي. يعرض اوباما على بوتين صفقة تتعلق بسورية فقط. أغلب الظن، ان واشنطن وموسكو سترقصان نصف رقصة. تعاون بين جيشي البلدين لمنع الاصطدام في الأجواء السورية وأن تُلزم موسكو النظام، بعدما بدا اكثر استعداداً للاستجابة لها، ببعض التنازلات «الكافية» لتسويق الخيار الروسي وفرملة اي نيات غربية للتصعيد العسكري. قد يشمل هذا خطوات تجميلية مثل «حكومة وحدة» وانتخابات برلمانية مبكرة وحوار سوري للهروب من «الهيئة الانتقالية» التي قبلتها موسكو في «جنيف-١» ولقاءات أميركية – روسية في نيويورك.

تنازل روسي صغير هنا. وإشارة أميركية هناك. خطوة تصعيدية هنا وتلويح تصعيدي هناك.

مرة جديدة بعد التصعيد العسكري الروسي المدعوم سياسياً وديبلوماسياً، يتعرض اوباما لضغوط ليتخذ قرارات هرب منها أربع سنوات.

(الحياة)

السابق
عدوان روسي؟
التالي
ما هي قصة جهاز التجسس الإسرائيلي المكتشف؟