لبنان «المحلي» بعد استنزاف أدواره الإقليمية

لبنان

اليوم (الاربعاء)جلسة مفترضة لانتخاب رئيس للجمهورية، النتيجة لا تحتاج الى كثير من الرصد والاستقراء، لارئيس في الجلسة رقم 29 بل تحديد موعد جديد في بيان مقتضب صادر عن مديرية مجلس النواب يتضمن دعوة من رئيس المجلس لانتخاب رئيس للبلاد بعد اسبوعين او ثلاثة.

إقرأ أيضاً: روسيا ضرورة اسرائيلية في سورية…
الجمهورية ليست بخير كانت كذلك من قبل، لكن أحوالها اليوم تسوء اكثر من السابق، فلا المؤسسات الدستورية تعمل بالحدّ الأدنى من واجباتها، ولا الحياة السياسية تنتظم على ايقاع الدولة وشروطها الدستورية والقانونية. ربما مسار الخروج على قواعد الدستور والقانون، يكتسب قوته في فرض هذا المسار، لكون الصراع السياسي الدائر ينتمي الى عناوين لاصلة لها بمفهوم وحدة البلاد وسيادة القانون وتفعيل دور المؤسسات الدستورية، ولاتتصل مطلقاً بعناوين تطوير النظام واصلاحه، ولا بما يساهم في توفير شروط الديمقراطية وتعزيز سلطة القضاء وما الى ذلك من عناوين يرفعها اركان الحكم والحكومة حين “يحاضرون بالعفة”. المشكلة الجوهرية ان الدولة ليست في برنامج القوى الحاكمة، بل السلطة التي يوفرها هذا النزوع نحو شعارات ومحاور لا يستقيم الانتساب لها الا بنبذ شروط الدولة ورذلها.
هو مسار نشوء مراكز القوى التي تجوف الدولة وتضعفها لحساب نفوذ قوى لا تحيا بغير اضعاف الدولة وسلطاتها، اذ كيف يمكن ان لا يكون هذا التراجع المريع لخدمات الدولة وتعطيل العديد من مؤسساتها، مصدر قلق للقوى المشاركة في الحكم والادارة، بل ما يلمسه اللبنانيون في الواقع هو العكس تماما، اذ يبدو هذا التدهور المستمر للدولة مصدر ارتياح يعبر عنه سلوك الاحزاب الحاكمة في ممارساتها التي تؤكد كل يوم تقبلها لفكرة ان يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية، ولو لمئة عام كما قالها الامين العام لحزب الله في مقابلته الاخيرة (الجمعة) على قناة المنار، في سياق تأكيده على دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة الاولى.

مجلس النواب
في مقابل هذا المسار التعطيلي لمؤسسات الدولة وللمصالح الوطنية، ثمة مؤشرات تدفع الى ما يشير الى ان هذه المعادلة المتحكمة في الشأن العام، غير قابلة للاستمرار، وهي مرشحة الى مزيد من التداعي، وهذه المؤشرات كما ترصدها مصادر مراقبة ومطلعة على الشأن الاقليمي والمحلي، تستند الى ان لبنان بكل ما فيه من اطراف سياسية، ستجد نفسها مدفوعة الى البحث عن حلول لمشكلات لبنانية ملحة ليتاح لها الاستمرار في معادلة السلطة، الازمات المحلية ستفرض نفسها بقوة، كما تلاحظ هذه المصادر، بسبب تراجع بدأ وستزداد وتيرته، لدور القوى المحلية في الملفات الاقليمية، فالمسألة السورية كشفت ولاتزال هامشية الدور اللبناني فيها، ودخول اللاعبين الكبار سيظهر اكثر ان ما حصده حزب الله ليس اكثر من الخسائر البشرية والمعنوية، لاسيما ان هذا التورط في القتال السوري، فرض وقائع جديدة تجعل اسرائيل اكثر اطمئنانا على حدودها.
النزف السوري سيزيد من تهميش لبنان اقليميا ودوليا، سواء بالغرق في المواجهات العبثية التي تزيد من استنزاف لبنان فيما لو طال امد هذه الأزمة، او بالعودة الى المساحة الجغرافية والسياسية للبنان الذي سيفرض على الكثيرين التواضع والاندراج اكثر في الحسابات المحلية السياسية والاقتصادية. لم تعد القوى اللبنانية مطالبة من الخارج بالانخراط في معارك اقليمية بنفس الزخم السابق، هذا ما يمكن تلمسه من تراجع في تمويل الحملات السياسية المتبادلة من على ضفتي 8 و14 اذار، وذلك مؤشر على ان الوظيفة الاقليمية للقوى اللبنانية تنحسر، فحتى حزب الله تم استنفاده في معارك الاقليم، بعدما استنفد هو ايضا شعارات المقاومة وحماية المقامات وطريق القدس، وبات امام مأزق وجودي سيفرض عليه خيار، اما المزيد من الغرق في الرمال السورية، او العودة الى الداخل لمواجهة التحديات الفعلية في لبنان الدولة والمجتمع والاقتصاد والتنمية وفي بنيته، وما الى ذلك من عناوين طالما كانت هامشية في ايديولوجية حزب المقاومة وسلوكه.

حزب الله في الزبداني
تراجع الحاجة الاقليمية مرشح للمزيد في لبنان، وبالتالي إبر المورفين المالية التي كان يتلقاها الاقتصاد اللبناني ستتراجع اكثر فأكثر لتفرض الازمات نفسها على اللبنانيين. لايعني ذلك ان ايران ستتخلى عن حزب الله، ولا السعودية عن تيار المستقبل، لكن اولويات جديدة بدأت تفرض نفسها في الاقليم تجعل لبنان هامشاً فيها. هذه الهامشية ربما تنعش مطلب الحلّ لبنانيا، بعدما اقتصرت السياسة فيه على صراع شعارات كبرى، وعلى محاصصة عرّت الدولة، فيما البلد يفتقد لابسط شروط الخدمات ولتعريف الدولة المتواضعة، ويعاني من عجز تكويني في التركيبة السياسية لادارة الشأن العام. الحراك المدني كان الصرخة – الانذار، صرخة بدأت في ملف النفايات وانجزت ولن تتوقف عند حدوده، صرخة ودينامية جديدة لن تتحقق ببراعة المناضلين في هذا الحراك فحسب، بل بحجم ما راكمت القوى السياسية من ازمات مست جميع المواطنين والمؤسسات، وبات من الصعب توقع ان يعود الصمت ليسود ارجاء الوطن في المدى المنظور.
الجمهورية ليست بخير والرئيس لن ينتخب اليوم. هو تحدّ امام اللبنانيين ولن يعينهم احد هذه المرة لا على مواجهته ولا على الاستسلام

السابق
الجيش: انتشال جثتي فتاتين سوريتين من البحر قبالة نهر الأولي
التالي
توقيف لبنانيين لتصويرهما مراكز للجيش قرب الحدود اللبنانية السورية