ثقوا في المرأة

كنت أغصّ بموقفي السلبي والمحسوب على الدين أو المفتعل من المرأة، أي من أمي التي “تطبلني” جهاداً وصبراً على المرض والفقر والأرض وحباً للآخرين! ومن شقيقتي التي لم تقصّر في شيء! ومن زوجتي التي لولاها لما كان لي بيت، أو بيت جميل!
ولم ينجح أولادي في المدرسة! ولم أستمر في القراءة والكتابة والسفر طلباً للمعرفة والنضال!

اقرأ أيضاً: لإعادة إنتاج الحب

ولولا زوجتي لما استطعت أن أتعامل مع مشكلات الأولاد والأحفاد والوالدين! فقد فقدتُ لغة الحوار معهم فتولّت عني ذلك، حتى في ما يخصني من مسائل، فضلاً عن مشاكلهم العلمية والعملية والحياتية والصحية. ولزوجتي كرمُها غير المشروط باليسر. وقد كان يخيفني ثم أصبح بإصرارها يطمئنني ويثير غبطتي وأحياناً غيْرتي.

هاني فحص
إلى دورها المكمّل لدوري بكفاية عالية، في حلّ المشكلات العائلية التي تعرض على رجل الدين، والتي أحياناً تبادر إلى حلها وحدها. ما جعلني ألجأ إليها وأناديها لحضور مجالس النقاش في هذه الأمور، وفي الأمور العامة. في السياسة والحرب والحبّ ورسالة لبنان، وهموم العراق! والحرية والعدالة والديمقراطية، وميدان التحرير مع الأصدقاء الباحثين والباحثات. والصحافيّين والصحافيات والسياسيين والسياسيات. من يساريين ويمينيين ودينيين وعلمانيين إلخ… مع براعة في التدخّل جعلتني أجاهر في الموافقة والالتزام برأيها أمام الجميع أكثر من مرة! والجميع كانوا يتعجبون، ثم صاروا يُعجبون بها أولاً، وبي ثانياً. وقد اضطربت علاقتي بملابسي وألوانها، عندما ملّت زوجتي وحاولت الممانعة بداعي المكايدة، قبيل سنّ الستين وبعدها.
وأنا لا أتقن التعبير عن الحبّ إلا من بعيد. ولا أستطيع أن أتخلص من جفافي، وكأني صديق خارجي يستحي أن يتغزّل بصديقته حتى لا تظن به سوءاً. لكنها لا تظن بي سوءاً على قلّة إظهار حناني. وعندما أذكر لها أنها وحيدتي تغضب، لأنها من الذكاء بحيث لا ينطلي عليها التناقض. لا تظنُّ بخيانتي، ولكنها تكتشف تناقضي، قياساً على من عرفتهن من السيدات المبدعات والكثيرات جداً، واللواتي تكاد تكون نسبتهن بين النساء أعلى من نسبة الرجال المبدعين بين الرجال!
أقول كفانا الله وكفاكم شرَّ المكابرة التي تزيد التسرُّب من الدين. وتؤكد الفساد والتخلف والاستبداد، بترجيح الذكورية البيولوجية على الأنثوية الحضارية.

اقرأ أيضاً: وصية إلى الشباب

دعوى المرأة الكفوءة علمياً وعملياً وأخلاقياً تتولى الكثير من شؤوننا الحساسة، في المجالات الاجتماعية والتربوية والتنموية وحتى الإدارية. وأنا كفيل بالسلامة. لأن المرأة سوف تكون أحرص على الدولة والوطن والنظام العام، ومطالب الناس التي تشعر بها الأم قبل غيرها. في زمن السلم والحرب، مع الحرب والإرهاب أكثر، وتعرف اكثر معنى السلام الاجتماعي الذي يتأسس عليه الأمن والأمان، وتعرف معنى المشاركة. وهي حريصة على المال العام والصحة العامة والكهربا والماء، حرصها على مالها وبيتها وأسرتها ومالها أو مال زوجها وأولادها. وهي تزيِّن الحرص بالكرم، لا الفساد والإسراف والتبذير وشراء الضمير.
بالكرم المالي والمعنوي، ثقوا بها وخذوا منها ثقة أكبر. لتعود فتعلّمكم بعدما تعلّمت منكم، من صوابكم وخطئكم، من دون عُقد، ومن دون بداوة في هذا الزمان الحضاري.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

 

 

 

 

السابق
«خريطة» جديدة للنفوذ وليس للحدود!
التالي
لبنان يعيش أزمة نظام